[الفرق بين الرؤية والنظر والبصر]
هناك من لا يدركون الفرق بين الكلمات الثلاث (نظر/بصر/رؤية)، ونشأ عن ذلك فساد كثير من آراء المفسرين لآيات كتاب الله، وفساد كثير من عناصر ومعاني الدعوة إلى الله، ونظرا لأهمية الأمر، ولعظم مسئولية الإنسان تجاه نعمة الله عليه في البصر، حيث قال تعالى: )قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون (.
ويقول عز من قائل في الآية السادسة والثلاثين من سورة الإسراءإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً (. فيعني ذلك ضرورة الوقوف تحديدا على مهمة البصر وما يعنيه الله بقوله بمسئولية الإنسان عن البصر ومسئوليته عن شكر نعمة الله عليه فيه.
فالرؤية تكون في غالبيتها ناشئة عن النظر، لكن ليست كل رؤيا من النظر، فقد تكون الرؤية غير إرادية، كما يشاهد الإنسان رؤيا منامية، وهنا تكون رؤيا إدراكية دون نظر ودون بصر، وقد تكون الرؤية إرادية دون نظر وذلك حين يستدعي الإنسان مشهد في ذهنة فيعيده على نفسه كي يراه. وقد يصاحب الرؤية إدراك وقد لا يصاحبها إدراك وفقا للحالة التي يكون عليها العقل من استعداد لترجمة المرائي.
أما النظر فيكون بالعين، وقد يكون إراديا وهو الغالب وقد يكون غير إرادي وذلك نادر الحدوث، والنظر قد ينشأ عنه رؤية وقد لا تنشأ عنه رؤية، فالناظر والمحملق في الظلام لا يرى، ومن ينظر إلى مسافة أبعد من قدرة نظره لا يرى، وليس كل نظر ينشأ رؤية ينشأ عنه بصر، فقد ينظر عابر الطريق إلى السيارة ومع ذلك لا يدرك خطورة الأمر (أي لا يقع منه الأمر موقع البصر) فيتأذى بعبوره الطريق.
أما البصر فهو مرحلة التكامل الوظيفي بين النظر والرؤية والإدراك، لذلك فإن المولى عز وجل حين قال: [ وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] كان يعني النظر الإرادي الذي تنشأ عنه رؤية وإدراك للمرائي، أما النظر العادي والنظر العابر ونظرة الفجاءة كلها مباحة وليست منهي عنها لذلك فإننا لا نتكلف غض البصر في حياتنا العادية، لكن نكلف به أنفسنا حين يكون النهم النفسي للنظر مخالفا لرضوان الله، كمثل من يتجسس، أو من يختلس النظرة كي يرى ما ليس له بحق أن يراه، فذلك يجب ترويض النفس لتخفيضه.
وبإنزال القواعد السابقة على آيات كتاب الله فإننا نجد أن قول موسى عليه الصلاة والسلام لله تعالى فيما سطره كتاب الله بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143.
فكلمة (أرني أنظر إليك) تعني أنه كان يريد رؤية الله بعيني رأسه، وليس مجرد رؤية أو رؤيا.
وقوله تعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }الأعراف198
يعني أن الله وقد جمع (الرؤية والنظر والبصر ) في آية واحدة، ويعني أن الحملقة قد لا ينشأ عنها بصر، فالبصر يعني الإدراك الذي لا يتوفر لكل ناظر. ومن ذلك يقول تعالى: {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ }يونس43؛ بما يعني أن الهداية تحتاج النظر الفكري والبصيرة الفكرية أكبر من احتياجها لنظرة العيون.
وفيما يلي سرد للآيات التي ورد فيها كلمة نظر أو رؤية أو بصر سواء تم الجمع بينها أو بعضها أو لا، وسواء أكانت تعني الرؤية والنظر بالعين أو غير ذلك.
أولا: تعبيرات متداخلة في آية واحدة
يقول تعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }الأعراف198
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102
{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ }يونس43
ويقول تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
..........................................................................................
ثانيا: أنظر
{انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً }الإسراء48
{اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ }النمل28
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المائدة75
...................................................................
ثالثا: ترى
{وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }المائدة62
{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }المائدة80
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة83
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ }إبراهيم49
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }الحج2
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }الزمر60
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ }الفيل1
.....................................................................................................
رابعا: بصر
{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الأنعام104
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }يونس67
{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ }الملك4
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ }الحاقة38{وَمَا لَا تُبْصِرُونَ }الحاقة39