حديث الرجل الصالح
هو رجل مغربي منقطع للعبادة في جبل لم يشأ ان يذكر اسمه ولا مكانه
هو عبد الله في ارض الله
يلبس بردا من الصوف ويجلس علي الارض بغير فراش ويتوسد الحجر....
وما رأيت معه الا بعض كتب مخطوطة....وما رأيته ضاحكا...وما رأيته
رافعا بصره في طريق
يكسب حياته من غزل الصوف.
ولا يأكل الا بعض تمرات فاذا ارتحل فأعشاب الطريق زاده....وهو
مورد الوجه يفيض صحة واشراقا
سألته.
كيف تجد الكفاية في هذه الاعشاب؟
-كف يدك عن الاذى
-وطهر لسانك عن الغيبة
-وافتح قلبك للحب
يجعل لك الله من كل عود اخضر من هذه العيدان غذاء كامل
سألته ان يعظنى...
فنظر الى في حياء وغمغم:
-قال الله للمسيح عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس
وانا لم اتعظ بعد لاعظك..
فقلت له..اذن تمنحنى بعض كلماتتكون زادى على الطريق
فقال وهو يرسل نظراته الى الافق البعيد:
اصرف كل اهتمامك الى العلم
فان الله لا يعبد الا بالعلم.
لا تشتغل بطلب الدنيا فمن يشتغل بطلب الدنيا يبتلى فيها بالذل..
اذا خفت الله خاف منك كل شيئ !
احذر مصاحبة النساء اتقاء على ايمان قلبك..
الاستئناس بالناس من علامات الافلاس وفراغ العقل وهذا من شأن من تراهم
على المقاهي...فلا شيئ يؤتنس به الا الخلوة مع الرحمن....
من لازم الناس اصبح محصورا في محيطاتهم وفي هيكل ذاته..
من دعا لظالم بطول العمر او البقاء..فقد دعا الى معصية......
نقاء السريرة وصفاء القلوب وسلامة النيات ومحبة الخلق والخالق هي
رأس العبادة...
والسعي وراء الشهرة فسادها !
اكثر من صحبة الصالحين فان فيهم الشفعاء
قلت له: ومن الصالحون ؟
قال:
لباسهم ما ستر وطعامهم ما حضر...ابرار اخفياء اتقياء اذا غابوا لم يفقدوا
واذا حضروا لم يعرفوا,تحابوا في روح الله على غير اموال ولا انساب....
يتعارفون في الله ويحبون في الله ويكرهون في الله,يقول الله عنهم يوم القيامة:
اين المتحابون بجلالي....اليوم اظلهم يوم لا ظل الا ظلي ....
قلت له ما رايك في اهل هذا الزمان ؟
قال في حسرة:
اعترفوا بالله وتركوا امره ..
وقرأوا القران ولم يعملوا به ..
وقالوا نحب الرسول ولم يتبعوا سنته ..
وقالوا نحب الجنة وتركوا طريقها ..
وقالوا نكره النار وتسابقوا اليها ..
وقالوا ابليس لنا عدو واطاعوه ..
ودفنوا موتاهم ولم يعتبروا بهم ..
واشتغلوا بعيوب اخوانهم ونسوا عيوبهم ..
وجمعوا المال ونسوا الحساب وبنوا القصور ونسوا القبور ..
لقد كنا في زماننا نحلم بالحج الي مكة والقدس والموت بهما
وانتم جائتكم فرصة الشهادة الي بابكم بالقدس .. فماذا فعلتم ؟
ولم اجد كلمة اجيبه بها .. اما هو فراح يبكي ويغمغم بين دموعه ..
والله لولا عباد ركع واطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا ..
وحينما تركته كان قد بدأ ينشد:
وشمس على المعنى مطالع افقها.... فمغربها فينا ومشرقها منا
وكنت اسير مستغرقا في التفكير وكان انشاد الفقير المغربي يرن في أذنى ..
نعم ان الشمس تغرب فينا الان
فمتى يكون مشرقها منا ؟
ومتى ينتهى الغروب والليل وينبثق منها الفجر الجديد ؟؟؟
وكنت ارتجف كلما تذكرت انه بعد الغروب دائما يأتى الليل الاسود ..
واخشى ان يكون نصيب جيلنا من الزمان الليل الاسود !!
واخشي ان يطول الانتظار
مصطفي محمودمن كتابمغامرة في الصحراء