إن الإخلاص لله تعالى هو تصفية جميع النوايا والأعمال من ملاحظة المخلوقين، فإن شابها شيء من ملاحظتهم كان الشرك أكبر أو أصغر، ظاهرا أو خفيا.
وإن العرقية دائما مشوبة بالشرك، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول(1) (إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي، يأيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما خلص له، ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء، ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء) فكيف بمن يلاحظ انتماءه العرقي قبل انتمائه العقدي أو معه في بره أو صدقته أو زكاته أو زواجه أو مصاهرته أو صِلاته وعلاقاته ؟
إن كل تجمع أو تكتل أو تحزب يراعي فيه المرء مع الله انتماءه العرقي أو القبلي هو للعرق أو للقبيلة، وليس لله منه شيء، والله تعالى يقول فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا عنه بريء وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك(2).
ولئن كانت العصبية العرقية والقبلية تزلزل أركان الوحدة الوطنية وتمزق شمل الأمة، فإن أخطر من ذلك أيضا أنها تعصف بالإيمان نفسه، وتخرب دنيا المرء وآخرته. يقول عز وجل:
- (لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(3) .
- ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ )(4).
ترى الرجل يفتخر بآبائه وأصوله، ومِنْ أصوله مَنْ هم جُثِيّ(5) جهنم، ولن ينفعه ذلك أو يغني عنه يوم القيامة من الله شيئا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(6) (لَينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو لَيكونُنَّ أهونَ على الله من الجُعَل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ(7) الجاهلية، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب)
ويقول: (( يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وتَعَظُّمَها بآبائها، فالناس رجلان رجل برٌّ تقيٌّ كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقيٌّ هَيِّنٌ على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (9)")
ويقول(10): (من ادعى دعوى الجاهلية فهو من جُثِيِّ(11) جهنم، قيل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى، تداعوا بدعوى الله الذي سماكم بها، المؤمنين المسلمين عباد الله )
ويقول عن العصبية العرقية(12) دعوها فإنها منتنة )
وعن الحسن أن أُبَيّاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اعتزى(13) أحدكم بعزاء الجاهلية فأَعِضُّوه بِهَنِ(14) أبيه ولا تُكَنُّوا)(15).
إننا ذريةُ أبٍ واحد وأمٍّ واحدة خُلِقا من تراب، ومن نفسٍ واحدة خلق منها رب العزة زوجها (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء)، وإن قيامنا بواجب الدعوة الإسلامية عبادةٌ مفروضة، لها أدبها، وأركانها، وشروطها. وأدبها الحياء من الله تعالى فلا نشرك معه غيره وجوها أو أرحاما أو عرقا أو قبيلة، ومن شروطها تطهير النوايا من الشرك كبيرا أو صغيرا ظاهرا أو خفيا، ومن أركانها إيثار الأتقياء بمحبتنا وولائنا وتعاوننا في الله معهم، مهما تباعدت الأرحام والأعراق والمصالح، على غيرهم من أولي العرق أو القبيلة أو المصلحة.
إن دعوى التخلص من لوثة العرقية والتطهر من نتنها ليست شقشقة باللسان، أو استعراضا متكلفا مرائيا لنصوص لا أثر لها في السلوك، ولكنها تحتاج إلى دليل، ودليلها تصرفات المرء ومعاملاته وأقواله وملامحه وتصريحاته وتلميحاته، ولئن تكلف امرؤ خُلقا ليس من أخلاقه ونية ليست نيته، فإن الله تعالى يقول: (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )(16).
---------------------------------------
منقول من كتاب عرب و بربر:
مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله
لفضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي(1) - تفسير القرطبي 2/146، معجم الصحابة 2/32، سنن الدارقطني1/51
(2) - سبل السلام 4/185
(3) - الممتحنة 3
(4) - المؤمنون 101
(5) - جثي بضم الجيم وكسرها جمع مفرده جاث، من جثا يجثو إذا جلس على ركبتيه، قال تعالى:"ونَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً"
(6) - سنن الترمذي 5/734
(7) - العبية بضم العين وكسرها وتشديد الياء: الكبر والفخر والنخوة
(- تفسير ابن كثير 4/219
(9) - سورة الحجرات 13
(10) - صحيح ابن خزيمة 3/195
(11) - جثي بضم الجيم وكسرها جمع مفرده جاث، من جثا يجثو إذا جلس على ركبتيه، قال تعالى:"ونَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً"
(12) - سنن الترمذي 5/517
(13) - الاعتزاء بعزاء الجاهلية هو أن ينادي الرجل: يا لعرقي ..يا لقبيلتي وأصلي ينتصر بهم على المسلمين
(14) - هَنٌ على وزن أخ: كلمة كناية عن الشيء يستفحش ذكره
(15) - السنن الكبرى 6/242، أحمد 5/136
(16) - سورة محمد 30