احفظ عليك ما بين فَكَّيْك
لم تكن وصايا النبي ،صلى الله عليه وسلَّم؛ لصحابته رضي الله عنهم حول اللسان بعيدةً عمّا يحدث اليوم من أعمال عنف مختلفة، ومن مشاكل متعدّدة تعاني منها مجتمعاتنا العربيّة،
فكلمات وصاياه لو طُبِّقَت اليوم؛ لانهزم العنف من جلدتنا ولمَا اسْتَقَرَّ في ذؤابة بيوتنا، ومن أعظم الأحاديث التي وردت في ذلك؛ الحديث الذي رواه الترمذي، عندما سأل معاذ رسول الله قائلا: وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله، أجابه عليه السلام قائلا: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم!"، وقال عليه السلام: "إنّ أحدَكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه".
إنَّ نظرة ثاقبة إلى مجتمعاتنا العربيّة تبرز ما يمسّها من أعمال عنف كثيرة تساهم في انحطاطها وتوصلها إلى حافة الهاوية،فهذا ألقى بزوجته أرضًا؛ لأنّها طالبته بزيادة مصروفها اليوميّ، وآخر طلَّقَ زوجته؛لأنَّها قالت له:إنَّ مهندًا(بطل المسلسل التركي:مهند ونور) أجمل منك، وذاك قتل جاره لأنه اغضبه، وأخ قتل أخاه لأنّ كلامه لم يعجبه فاستشاط غضبًا، وزوجة قطَّعت زوجها لأنَّه صارحها بحبه لأخرى، وطالب ضرب معلِّمه لأنه قال له:اصمت؛ فأنت مزعج..، وآخر أطلق النار على غيره لأنه سخر منه، إضافة إلى العنف الذي يدور في خضم البيوت والأماكن الأخرى، والحوادث عديدة والسبب واحد؛ هو اللسان.
قال الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
كم في المقابر من قتيل لسانه
لا يلدغنك إنَّه ثعبانُ
كانت تهاب لقاءه الشجعانُ
هذه نظرة صغيرة ناقدة لمجتمعاتنا العربيّة أما النظرة الآخرى فهي مرتبطة بالكلمات التي تخرج من أفواه أفرادها؛ كلمات قد تلقي بصاحبها في قعر جهنم؛ دون أن ينتبهَ لذلك، قال الله تعالى:﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، وقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق"، وفي رواية لمسلم: "...يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب"، ومن الكلمات، والجمل المتفشية في المجتمع التي تدخل في أرجاء الحديثين السابقَِيْن أو أنَّها تكون سببًا في سخط الله وغضبه على المتحدِّث بها:
(ملاحظة:ذكرتُ عددًا من الكلمات والجمل باللهجة العاميّة؛ كما قيلتْ؛ وكما سمعتُها؛ حتى تكون أقرب إلى الواقع؛ فوجب التنويه).
- القَسَم بغير اسم الجلالة؛ فيقول فلان: وشرف الله، وعرض الله، وحياة النبي، ورحمة والدي، وحياة الكعبة،....
- أن يُلحق أفعالاً تخصّ المخلوقات إلى الذات الإلهية(الله)، أو يسند إليه صفاتٍ لا تليق بالبشر!، أو يستهين بقدرته، أو يتدخل في أفعاله، ولا يدري هذا العبد الضعيف أنَّ الله :"لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسْألون"؛ فيقول فلان: يسعد الله، الله ما بيسمع من ساكت، الله ظلمني لأنه عرَّفني عليك، الله يظلم اللي ظلمني، يخلف على الله، لو يحط إيده بيد الله ما بيفعل كذا وكذا، عايف ربي، حل عن ربي، لوينزل ربنا ما بفعل كذاوكذا، هو الله داري عنك، فلان الله ما بيقدرعليه، فلان الله ما بيطيقه، الله بيعطي اللحمة للي ما لوش سنان، الله بيعطي الرزقة للي ما بيستاهلها،....
- اللعن بأشكاله المختلفة؛ فيقول فلان: يلعن فلان، يلعن حرمك، يلعن الزمان اللي خلاك كذا، يلعن اليوم اللي خلقت فيه، يلعن يومك، يلعن ديكك،.....
- الاستهزاء بالأنبياء والسخرية منهم؛ فيقول فلان: صلِّ على كوم أو كمشة أنبياء، النبي شعيب زحلق بالملوخية،...
- جمل أخرى؛ يقول فلان: لا حول الله يارب، لولا الله وفلان، داخل على الله وعليك،.....
هذا بعض ما سمعته من زعاف الجاهلين، أردت بعرضه أمامكم أن أحذّركم من خطورته، رعاكم الله وحفظ لسانكم منه.
ومِن خير ما أختم به؛ وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلّم؛ لعقبة بن عامر عندما سأله: ما النجاة؟؛ فقال له عليه السلام:"امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك".