صفات المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
علينا أن نقدر هذا الرسول العظيم حق قدره ،
أولا : بمعرفة ما كان عليه من جميل الخصال ، وما قام به من
جليل الأعمال ،
وثانيًا : بطاعته فيما جاءنا به من البينات والهدى ، وما أمرنا
به من مكارم الأخلاق إن كنا مؤمنين به ومحبين له فبذلك
نحقق الغاية التي بعث بها ونثبت محبتنا له إذ
لا قيمة لمحبة لا طاعة فيها للمحبوب .
وهنا يجدر بي أن أبين لكم بعض أخلاقه التي كان عليها فإنه
عليه الصلاة والسلام المثل الكامل في مكارم الأخلاق فأقول :
روى الترمذي في كتابه الشمائل المحمدية بسنده عن الحسن
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال الحسين رضي الله
عنه : سئل أبى عن سيرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
جلسائه فقال :
« كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ،
ليس بفظ ولا غليظ ولا
صخاب ولا فحاش ، ولا عياب ولا مشاح يتغافل عما لا يشتهي
، ولا يؤيس منه راجيه ،
ولا يخيب فيه طالبه قد ترك نفسه من
ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه ،
وترك الناس من ثلاث
كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا
فيما رجا ثوابه ،
وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم
الطير ، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث ، ومن تكلم
عنده أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أولهم ،
يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ،
ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته حتى أن كان أصحابه
ليستجلبونهم ( أي يجلبون الغرباء إلى مجلسه صلى الله عليه
وآله وسلم ليستفيدوا من مسألتهم ما لايستفيدونه عند عدم
وجودهم ) ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ولا
يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع أحد حديثه حتى يجوز
فيقطعه بنهي أو قيام » ( انتهى ما رواه الترمذي ) ،
ومن شمائله عليه الصلاة والسلام أنه كان أعلم الناس ،
وأورع الناس ، وأزهد الناس وأعدل الناس ، وأحلم الناس ،
وأعف الناس ، لم تمس يده يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة
نكاحها ، أو لا تكون ذا محرم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وكان لا يواجه أحدًا بمكروه ،
ولا يتعرض في وعظه لأحد
معين ، بل يتكلم خطابًا عامًا ،
كان يقبل على أصحابه
بالمباسطة حتى يظن كل منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه .
كان أشد الناس حياءً لا يثبت بصره في وجه أحد ،
كان يجيب
دعوة الحر والعبد ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ، أو فخذ
أرنب ، ويكافئ عليها ، ويأكلها ولا يأكل الصدقة ،
كان يعود
مرضى المساكين الذين لا يؤبه لهم . كان يتلطف بخواطر
أصحابه ويتفقد من انقطع عن مجلسه ، وكثيرًا ما يقول لأحدهم
لعلك يا أخي وجدت مني أو من إخواننا شيئًا ،
كان يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة ،
كان يكرم أهل الفضل في أخلاقهم ،
ويتألف أهل الشرف بالإحسان إليهَم ، كان يكرم ذوي رحمه
ويصلهم من غير أن يؤثرهم على غيرهم ممن هو أفضل منهم
، كان لا يجفو على أحد ولو فعل ما فعل ،
كان له صلوات الله
وسلامه عليه عبيد وإماء ، وكان لا يرتفع عليهم في مأكل ولا
ملبس ،
كان لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل أو
فيما لا بد له من إصلاح نفسه ،
كان أبعد الناس غضبًا
وأسرعهم رضًا ، وكان أرأف الناس بالناس وأنفع الناس
للناس ، وفي هذا القدر كفاية لمن وفقه الله للاقتداء به ،
فأخلاقه العظيمة صلوات الله وسلامه عليه لا يحصيها إلا الله
الذي شهد له بقوله :
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }
فلنقتد به في أخلاقه الكريمة والله الموفق والمعين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم .
الكتاب : خطب مختارة
المؤلف : اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
الطبعة : الثالثة
الناشر : وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية
تاريخ النشر : 1423هـ
عدد الصفحات : 308
عدد الأجزاء : 1
مصدر الكتاب : موقع الإسلام