رمضان شهر الخير والبركات، أقبل بالبشر والخير،
عمت أنواره جميع الكائنات، وملئت نفحاته العبقة الأرض والسماوات،
وتنزلت بحلوله البركات، وانهالت لمقدمه الرحمات، فمرحباً بخير الشهور،
مرحباً بمقدم الضيف الحبيب، كنز المتقين، وفرصة التائبين من رب العالمين.
أطل علينا سيد الشهور، وأفضلها على مر العصور،
شهر خصه الله بخصائص عظيمة، ومزايا جليلة،
لو تكلمنا عن بعض فضائله، ما وسعنا الزمان في ذكر محاسنه،
يقول المولى عز وجل:
(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )).
شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة،
تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران،
وتصفد فيه الشياطين، يكفي لنا قول سيد الأنام عن شهر الصيام :
(( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ،
تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ،
وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ،
مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )).
فرحنا برؤية هلاله، هلال رشد وخير، واستبشرنا بحلول أول أيامه،
فأيامه زينة الدنيا وزاد الآخرة، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه إذا رأى الهلال قال:
(( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ،
رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ )).
الأعمال فيه مباركة، والأجور فيه مضاعفة،
فهو موسم من أعظم المواسم الربانية،
يقول عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ،
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ،
يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ،
وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )).
فيا سعادة من مد الله له في الأجل، ومتعه بنعيم الصحة،
ليغنم بمغفرة الله ورضوانه، والعتق من نيرانه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).
فحقيق بمن استقبل رمضان وهو في نعمة الله،
أن يشكر هذا النعمة بأداء حقها، وأن يستغل هذه الأيام المباركة
بما يرضى المولى عز وجل عنه، ولنتعرض لنفحات الله تعالى
في هذا الشهر الكريم، ولنعقد العزم من أول يوم من أيامه
أن نكون إلى الله أقرب وعن النار أبعد، لكي لا نضيع فرصاً قد أتت،
فلعلنا لا ندرك رمضان، ولعل رمضان يأتي ولا يلقانا،
فكم من عزيز كان معنا في رمضان الماضي وهو الآن تحت الثرى،
فلنجد ونجتهد من أول أيامه، ولنستغل سعاته ولحظاته،
فإن المحروم من يدخل عليه رمضان ولم يغفر له.