(حديث انا نسألك عن كلمات اعطاهن الله موسى بن عمران "حديث مكذوب ")
الحديث
روي عن علي رضي الله عنه قال : ( بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين ، أتى إليه جماعة من اليهود ، فقالوا له : يا محمد ! إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران ، لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سلوا . فقالوا : يا محمد ! أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك ؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام : صلاة الفجر : فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان ، ويسجد لها كل كافر من دون الله ، فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين ، براءة من النار وبراءة النفاق . قالوا : صدقت يا محمد ! أما صلاة الظهر : فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة . أما صلاة العصر : فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام من الشجرة ، فما مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . وأما صلاة المغرب : فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه . وأما صلاة العشاء : فإن للقبر ظلمة ، ويوم القيامة ظلمة ، فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار ، ويعطى نورا يجوز به على الصراط ، فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي ، ثم تلا قوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
الجواب
الحمد لله
بعد النظر والبحث في هذا الحديث تبين أنه مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تصح نسبته إليه بحال من الأحوال ، وعلى ذلك مجموعة من الأدلة :
1- لم نجد هذا الحديث في شيء من الكتب المسندة ، وإنما يتناقله من يرويه من الناس من غير إسناد ، ومن المعلوم من شريعتنا وجوب رد كل حديث لم يذكره علماء الحديث بإسناده الصحيح .
2- ومن أمارات الوضع الظاهرة أننا وقفنا على الحديث مذكورا في كتاب أبي الليث السمرقندي ، المتوفى سنة (375هـ) ، واسم كتابه هو "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" في (ص/264-265) وقد نص أهل العلم على أن كتابه هذا هو من مظان الأحاديث المكذوبة والمصنوعة ، فقد عدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب "تلخيص الاستغاثة" (1/73) في ضمن المصنِّفين الذين " لا يعرفون الصحيح من السقيم ، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول ، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما " ، ويقول الإمام الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (16/323) : " وتَرُوج عليه الأحاديث الموضوعة " انتهى .
3- ومن وجوه النكارة فيه أيضا : قوله عن صلاة الظهر بأنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، والثابت أن ساعة تسعير جهنم هي قبيل الزوال – قبيل الظهر – فإذا دخل وقت الظهر دخلت ساعة الرحمة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعًا ، وَيَقُولُ : إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا )
رواه أحمد (3/411) حسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/6) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3404) ومحققو المسند .
ومنها : مخالفته ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله ، وإن كان خالف في ذلك بعض أهل العلم ، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله ، وقد بوب السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/303) : " باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس ، ولم تجمع لأحد ، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله " وذكر تحته مجموعة من الأحاديث ، منها :
عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال ( أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ )
رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
4- ومن قرائن ضعف الحديث ما فيه من تحديد ساعة أكل آدم من الشجرة ، والساعة التي تاب الله فيها عليه ، ومثل هذه التفصيلات تشبه ما ترويه الإسرائيليات والأخبار المنقولة عن أهل الكتاب ، وذلك يرجح كون الخبر مأخوذا عنها .
فالحاصل أن هذا الخبر كذب لا أصل له ، فلا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز تناقله في المواقع والمنتديات .
والله أعلم .
سؤال وجواب