الرد على شبهة أن هناك بدعة حسنة و بدعة سيئة
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
سؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ كيف يتم الرد على شبهة أن هناك بدعة حسنة و بدعة سيئة مستدلين بقول الرسول عليه الصلاة و السلام من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة أو كما قال الرسول عليه الصلاة و السلام ؟
الجواب :
يُرَدّ على هذا بأمور ، منها :
أولاً : من يستدلّ بِحديث لا بُدّ له من أمور :
1 – صحّـة الدليل
2 – صحّـة الاستدلال
ثانياً : من يستدلّ بآية أو بِحديث لا بُدّ من أن يَجمع الآيات أو الأحاديث في الباب الواحد ، ثم يستدلّ بها ، لأنه إذا أخذ آية وترك الآيات الأخرى في الموضوع ، أو أخذ حديثاً وترك الأحاديث الأخرى ، كان من الذين يتّبعون ما تَشَابَه من القرآن .
وهذه طريقة أهل لبِدع وليست طريقة أهل السنة .
فطريقة أهل السنة الجمع بين الآيات والجمع بين الأحاديث .
قال الشيخ أحمد شاكر : إذا تعارض حديثان ظاهراً ، فإن أمكن الجمع بينهما فلا يُعدَل عنه إلى غيره بِحالٍ ، ويجب العمل بهما
وقال الشيخ الشنقيطي : الجمع واجب إذا أمكن ، وهو مُقَدَّم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول .
ثالثاً : من يتكلّم في مسألة ليست حادِثة ، فيحتاج إلى رصيد من كلام أهل العلم ، الذين رسخوا في العلم ، لأنه لن يأتي بِفهمٍ جديد !
قال الإمام أحمد : إياك أن تتكلّم في مسالة ليس لك فيها إمام .
رابعاً : هذه المسألة على وجه الخصوص مما تمسّك به أهل البِدع ، ولا مُستمسَك لهم في هذا الحديث ، ولا مُستَدلّ لهم به .
إن قوله عليه الصلاة والسلام : " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " رواه مسلم .
جاء على سبب ، ومعرفة سبب وُرود الحديث عُني بها أهل العلم .
وسبب ورود الحديث ما جاء في صحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حُفاة عراة ، مجتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف ، عامتهم من مُضَر ، بل كلهم من مُضَر ، فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج ، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب ، فقال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى آخر الآية . (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، والآية التي في الحشر : (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) . تَصَدَّق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بُرّه ، من صاع تمره ، حتى قال : ولو بِشِقّ تمرة . قال : فجاء رجل من الأنصار بِصُرّة كادَتْ كَفّـه تعجز عنها بل قد عجزت . قال : ثم تتابَع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء .
فهذا يدلّ على أنه ليس المقصود الإحداث في الدِّين ، وإنما العمل بما شُرِع .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثّهم على الصدقة ، فلما تصدّق الأنصاري بِالصُّرّة ، تتابَع الناس على إثره واقتدوا بع في فِعل الخير ، فله مثل أجر من اقتدى به في فِعل مشروع .
فأين هذا من رجل يُقتَدى به في البِدع ؟!
فإن هذا يُقتَدى به في السنن السيئة !
ثم يُقال لهذا المستدِلّ : ما الضابط في كون هذا العمل سُنة حسنة أو سُنة سيئة ؟
لأن ما تراه أنت حَسناً قد يراه غيرك سيئاً .
والضابط عند أهل العِلم : أنّ كلّ إحداث في دِين الله هو من قَبِيل السنة السيئة .
فإن قيل : لماذا ؟
قيل : لأن لفظ ( كلّ ) من ألفاظ العموم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد وغيره .
خامساً : حَمَل العلماء هذا الحديث على إحياء سُنة قد أُمِيتتْ ، لا على إحداث شعائر وتعبّد لم يأذن به الله .
ولذا فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يَفهموا من هذا الحديث سوى هذا ، فإنه لا يُعرَف عنهم إحداث في دِين الله ، كما لا يُعرف عنهم أنهم سَـنُّوا سُنناً وادّعوا أنها حَسَنَة !
ويُؤيِّد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتمسّك بِسُنّته وسُنة الخلفاء الراشدين من بعده .
ومع ذلك لا يُعرف عن أحد من الخلفاء الراشدين إحداث عبادة لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حزم : فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سُـنَّـة لم يَسنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أباح أن يُحَرِّموا شيئا كان حلالا على عهده صلى الله عليه وسلم إلى أن مات ، أو أن يُحِلّوا شيئا حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُوجِبوا فريضة لم يوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُسْقِطُوا فريضة فَرَضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسقطها إلى أن مات ؛ وكل هذه الوجوه مَنْ جَوَّزَ منها شيئا فهو كافر مُشْرِك بإجماع الأمة كلها بلا خلاف ، وبالله تعالى التوفيق . اهـ .
سادساً : من شروط قبول العمل أن يكون على السُّـنّـة ، والبِدع ليست على السّنة بل هي مُخَالِفة للسنة .
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو رَدّ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ .
سابعاً : حقيقة البِدع الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وفيها سوء أدب مع مقامه عليه الصلاة والسلام ، فكأن المبتدِع يستدرك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتّهمه بِعدم البلاغ المبين ، بل وفيها طعن القرآن ، لأن الله تبارك وتعالى يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) .
والبِدع استدراك على الشريعة !
قال الإمام مالك رحمه الله : من ابتدع في الدين بدعة فرآها حسنة فقد اتـَّـهَم أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فإن الله يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا .
فليس ثمّ أمر من الأمور التي تُقرّب إلى الله عز وجل إلا علمها أمته صلى الله عليه وسلم .
وفي البِدع تَرك للسُّنَنَ .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فقد كُفِيتُم . رواه الدارمي .
للفائدة :
بعض أهل البِدع يحتجّ بِقول عمر رضي الله عنه في التراويح : نِعم البدعة هذه .
وقد سبق توجيه قول عمر رضي الله عنه : نِعم البدعة هذه ..
هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=16779
والله تعالى أعلم .