سؤال حول عدالة الصحابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة
أحد الأشخاص ( نسأل الله أن يهديه) قال لي أن عمر بن الخطاب و عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما كانا يشربان الخمر ( حاشاهم) بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
وقال لي أن عبدالله بن مسعود أتى عثمان رضي الله عنه لينصحه فطرده عثمان من المسجد.
ويقول منطلقا من هذه الأخطاء والمآخذ على أن الصحابة ليسوا كلهم بعدول.
وحينما أقول له لا يصح ما تقول يقول لي ( إنهم أناس مثلنا يخطؤون ويعصون)
ويقول لي أن لفظ ( العقيدة) دخيل على الأمة وبدعة لأنه لم يظهر إلا بعد القرن الخامس الهجري. والأفضل أن نقول إيمان بدلاً من عقيدة!
فكيف نرد عليه ....
وما هي الكتب المقترحة التي تحمينا من شبهات الشيعة حول الصحابة رضوان الله عليهم
وجزاكم الله خيراً وجعلكم حماة للإسلام والمسلمين
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً : الصحابة عُدول عند أهل السنة ، بل لا يُحث في عدالتهم .
لماذا ؟
لأن الله زكّاهم وزكّاهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهل بعد تزكية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تزكية ؟
اقرأ – إن شئت قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قال القرطبي : قال مالك : من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية . ذكره الخطيب أبو بكر . قلت : لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله ، فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردّ على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين . اهـ .
وقال ابن كثير : ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يُبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال لأنهم يغيظونهم ، ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك . اهـ .
وقال عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا أصحابي فلوا أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نَصيفه . رواه البخاري ومسلم .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
قالت عائشة رضي الله عنها : أُمِروا أن يستغفروا لهم فسبُّوهم ، ثم قرأت هذه الآية ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) .
ثانياً : تعريف الصحابي : هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك .
فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار فإنه يثبت له شرف الصحبة ، وذلك لشرف المصحوب صلى الله عليه وسلم .
ويدخل في ذلك – على الصحيح – من لقيه ولم يرَه كالأعمى ، ومن رآه من صغار الصحابة .
ثالثاً : لا يثبت هذا الزعم الوارد في السؤال ، بل هو من الأكاذيب الملفّقة على سادات الأمة رضي الله عنهم .
وهذا من فعل الزنادقة فإنهم لما لم يُسمع لهم في الطّعن في الدِّين مُباشَرة طعنوا في حملته ، وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
رابعاً : عمر بن الخطاب رضي الله عنه ممن يُشدِّد في شرب الخمر .
فقد روى عبد الرزاق في المصنف أن عمر بن الخطاب استعمل قُدامةَ بنَ مظعون على البحرين – وهو خالُ حفصة وعبد الله بن عمر – فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين ، فقال : يا أمير المؤمنين إن قدامةَ شَرِبَ فسَـكِرَ ، ولقد رأيت حـدّاً من حدود الله حقّـاً عليّ أن أرفعَه إليك .
فقال عمر : من يشهدُ معك ؟
قال : أبو هريرة ، فدعا أبا هريرة فقال : بِمَ تشهد ؟
قال : لم أرَهُ يشرب ، ولكني رأيتُهُ سكران .
فقال عمر : لقد تنطّعتَ في الشهادة .
قال : ثم كتب إلى قدامة أن يَقْدُم إليه من البحرين ، فقال الجارودُ لعمر : أقم على هذا كتابَ الله عز وجل ، فقال عمر : أخصمٌ أنت أم شهيد ؟ قال : بل شهيد . قال : فقد أديتَ شهادتَكَ .
قال : فقد صمت الجارود حتى غدا على عمر ، فقال : أقم على هذا حدَّ الله .
فقال عمر : ما أراك إلا خصما ! ، وما شهد معك إلا رجل .
فقال الجارود : إني أنْشُدُكَ الله .
فقال عمر : لتُمسكنَّ لسانَك أو لأسوأنّك .
فقال الجارود : أما والله ما ذاك بالحق . أنْ شَرِبَ ابنُ عمك وتسوءني .
فقال أبو هريرة : إن كنت تشكُّ في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فَسَلْها – وهي امرأة قدامة – فأرسل عمر إلى هند ابنةِ الوليد ينشُدُها ، فأقامت الشهادة على زوجها .
فقال عمر لقدامة : إني حادُّك .
فقال : لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني !
فقال عمر : لِـمَ ؟
قال قدامة : قال الله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
فقال عمر : أخطأتَ التأويل . إنك إذا اتقيتَ اجتنبتَ ما حرّمَ اللهُ عليك .
قال : ثم أقبل عمر على الناس ، فقال : ماذا تَرون في جَلْدِ قدامة ؟
قالوا : لا نرى أن تجلده ما كان مريضا .
فَسَكَتَ عن ذلك أياماً ، وأصبح يوماً وقد عَزَمَ على جَـلْـدِهِ ، فقال لأصحابه : ماذا ترون في جَلْدِ قدامة ؟
قالوا : لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفا .
فقال عمر : لأن يلقى اللهَ تحتَ السياطِ أحبُّ إلي من أن يلقاه وهو في عنقي . ائتوني بسوطٍ تامّ فأمر بقدامة فجُـلد .
وابن مسعود رضي الله عنه ممن يعرف لعثمان رضي الله عنه حقّـه وقدره
فإن ابن مسعود أنكر على عثمان صلاته بمنى أربع ركعات ، ولكنه لما حضرت الصلاة صلّى خلفه ولم يُخالِفه ، فلما سُئل عن ذلك فقيل له عِبت على عثمان ثم صليت أربعا ؟ قال رضي الله عنه : الخلاف شر . رواه أبو داود .
ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه من أهل بدر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة . رواه البخاري ومسلم .
وعند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
و لما جاء عبدٌ لحاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية . رواه مسلم .
وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة . رواه البخاري .
ومعرفة أقدار الصحابة وفضلهم معروف لا يُنكر
قال محمد بن الحنفية قلت لأبي ( علي بن أبي طالب ) : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان . قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم . رواه البخاري .
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : فقلت : من الرجال فقال أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فَعَدّ رجالا . رواه البخاري ومسلم .
ولما صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أُحُد هو وأبو بكر وعمر وعثمان ، فَرَجَفَ بهم ، فقال : أُثبت أُحُد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان . رواه البخاري .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني لواقف في قومٍ فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وُضِع على سريره ، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول : رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك ، لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر ، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب . رواه البخاري ومسلم .
أما قولك : ويقول منطلقا من هذه الأخطاء والمآخذ على أن الصحابة ليسوا كلهم بعدول .
فأقول : قديما قيل : أثبت العرش ثم انقُش !
هذه الأخطاء المزعومة غير صحيحة بل هي باطلة ، بيّنة البطلان .
وما كان من أخطاء أفراد أو آحاد الصحابة فإن ذلك لا يُسقط عدالتهم .
فعدالتهم ثابتة في الكتاب والسنة .
ومن أسقط عدالتهم فقد ردّ صريح القرآن وصحيح السنة في تزكيتهم .
ومن أخطأ منهم فخطؤه مغفور ، خاصة إذا كان من أهل بدر ، وقد تقدّم ذِكر شيء من فضلهم .
ومن أخطأ من غيرهم فشأنه شأن غيره في عدم العِصمة من الذنوب
ونحن لا ندّعي العصمة للصحابة الكرام رضي الله عنهم
وفرق بين التزكية والعدالة وادِّعاء العصمة
فالتزكية والعدالة لا تعني عدم الوقوع في الخطأ
بمعنى أن من أخطأ من الصحابة لا يُسقط ذلك عدالته ، ولا ينفي عنه التزكية .
بل إن الأنبياء الذين عصمهم الله لم يُعصموا من مجرّد الخطأ ، بل عُصموا من الوقوع في الكبائر وفي صغائر الخسّة ، ومن الخطأ في تبليغ الرسالة ، لا الخطأ الاجتهادي .
ويجب اعتقاد فضل الصحابة ومعرفة ذلك
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
حبّ الصحابة كلهم لي مذهب *** ومودّة القُربى بها أتوسّلُ
وأما الكُتب التي يُنصح بقراءتها
فكتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد رحمه الله
وكُتب فضائل الصحابة في الصحاح والسنن .
وكتاب : العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، للقاضي ابن العربي المالكي رحمه الله .
والله تعالى أعلم .
الشيخ / عبد الرحمن السحيم