قال تعالى في سورة الأعراف : (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ *وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
نزلت هذه الأيات العظيمة في رجل يقال له ( بلعام ابن باعوراء )
-----------------------------
فمن هو بلعام بن باعوراء ؟
قالوا أن بلعام بن باعوراء كان حبراً من أحبار بنى اسرائيل فى زمن النبى ((موسى)) عليه السلام .. وإنه قد تلقى العلم .. علم التوراة على يدى نبى الله (موسى)عليه السلام ، وإن (موسى) عليه السلام هو الذى رباه وعلمه ، حتى صار من اعلم علماء بنى اسرائيل .. وقد بلغ ((بلعام)) من العلم درجة لم يبلغها إلا الانبياء والصديقون .. ومن غزارة علمه ومعرفته وتقواه ، كان الالاف يتلقون عنه العلم فى مجلس واحد ، وبكتبون كل ما يسمعونه منه .. وقالوا انه كان فى مجلسه اثنتا عشرة الف محبرة للمتعلمين الذين يتلقون ويكتبون عنه .. وقالوا إنه بلغ درجة من الهدى والتقى والنور والايمان وانه كان اذا نظر رأى عرش الرحمن من فوق سبع سموات ، وهو قابع فى مكانه على الارض .. وقد قال الله تعالى عنه فى قرآنه الكريم : {واتل عليهم نبأ الذى اتيناه اياتنا }
فقد اتاه الله (تعالى) أيات كثيرة ، وليست أية واحده وهذا من نعم الله (تعالى) الكثيرة عليه .. ومن آيات الله (تعالى) على ((بلعام)) انه كان طاهراً مجاب الدعوة .. وكان يعرف اسم الله (تعالى) الاعظم ، الذى اذا دعى به اجاب ، واذا سئل اعطى ..
ثم ضل ((بلعام)) بعد هدى .. وكفر بعد إيمان ..
نعوذ بالله من الكفر والضلال
--------------------------------
كيف كفر بلعام بن باعوراء ؟
قيل ان نبى الله (موسى) عليه السلام قد ارسل ((بلعام)) الى اهل ((مدين)) ليدعوهم الى الايمان ، وتوحيد الواحد الاحد .. فلما ذهب اليهم ((بلعام)) برسالة (موسى) عليه السلام ، اغروه بالمال والهدايا الكثيرة وعرض الحياة الدنيا الزائل ، وقالوا له : اترك دعوة (موسى) ولا ترجع اليه ، ونحن نقدم لك كل هذه الهدايا والاموال ؛ فتعيش بيننا غنيا كواحد منا وتسكن معنا، بل رئيسا علينا ..
وعرض عليه ملك مدين الكافر ان يزوجه بأجمل النساء من بنات قومه ، ويقدم له الكثير من الهدايا والاموال ، فى مقابل أن يترك دين الحق ويهجر دعوة موسى ، ويتخلى عن دينه ؛ لينضم اليهم فى كفرهم ضلالهم ..
كان هذا اول اختبار حقيقى يتعرض له ((بلعام)) واول فتنة وابتلاء له .. وهى فتنة وابتلاء عظيمان .. وهل هناك ابتلاء اعظم من ابتلاء الرجل فى دينه ؟! وماذا كان رده عليهم ، وهو المؤمن قوى الايمان ، والحبر العلامة ، كما رأينا ؟!
لما عرض أهل ((مدين)) وملكها ما عرضوه على ((بلعام)) قال لهم ..
اعطونى مهله حتى افكر واقدر وادبر امرى ، ثم أرد عليكم ، فإما رجعت الى (موسى) وإما قبلت عرضكم وعشت وسكنت بينكم .
وتركهم((بلعام))ثم ركب حمارته ، وسار بها ؛ ليختلى بنفسه ويفكر فى أمره ، وفيما عرضه عليه القوم .. ولما اختلى بنفسه راح يحدثها قائلا :
الله أم الشيطان ؟!
(موسى) أم المال ؟!
الآخرة أم الدنيا ؟!
وهكذا راح ((بلعام)) يفكر ويقدر ويدبر .. ولم يستغرق منه الامر طويلاً ..
فقد أرشده هواه الخسيس ونفسه الدنية إلى إختيار الشيطان ، وتفضيل المال على الدين ، والدنيا الفانية على الآخرة الباقية .. لقد فضل الرياسة والشرف الزائل ، وحب المال على دينه ، فقال فى جشع : بل الشيطان والمال والدنيا ..!!
فلما كفر ((بلعام)) وقال ذلك ، قاد حمارته عائداً الى القوم ليقيم معهم، تراءى له الشيطان على مكان مرتفع عند قنطرة بانياس، سعيداً مما فعل واختار .. فلما رأت الحمارة الشيطان نفرت منه ، وسجدت لله (تعالى) ، بينما سجد الكافر ((بلعام))لشيطانه اللعين ..
وهكذا كفر (بلعام) بعد إيمان وسكن معهم في أرضهم ورضى بما منحوه إياه
-----------------------------------