《《حكيم بن حزام
وليد الكعبة
رضي الله عنه وأرضاه》》
قالوا عنه :
إن بمكة لأربعة نفر أربأ بهم عن الشرك، و أرغب لهم في الإسلام : عتاب بن أسيد، و جبير بن مطعم، و حكيم بن حزام، و سهيل بن عمرو
رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعتق حكيم بن حزام في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير
عروة بن الزبير
هل أتاك نبأ هذا الصحابي؟!.
لقد سجل التاريخ أنه المولود الوحيد الذي ولد داخل الكعبة المعظمة...
أما قصة ولادته هذه، فخلاصتها أن أمه دخلت مع طائفة من أترابها إلى جوف الكعبة للتفرج عليها...
و كانت يومئذ مفتوحة لمناسبة من المناسبات.
و كانت والدته آنذاك حاملا به، ففجأها المخاض و هي في داخل الكعبة، فلم تستطع مغادرتها...
فجيء لها بنطع فوضعت مولودها عليه...
و كان ذلك المولود حكيم بن حزام بن خويلد...
و هو ابن أخي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها و أرضاها.
* * *
نشأ حكيم بن حزام في أسرة عريقة النسب، عريضة الجاه، واسعة الثراء.
و كان إلى ذلك عاقلا سريا فاضلا، فسوده قومه، و أناطوا به منصب الرفادة.
فكان يخرج من ماله الخاص ما يرفد به المنقطعين من حجاج بيت الله الحرام في الجاهلية...
و قد كان حكيم صديقا حميما لرسول الله صلوات الله و سلامه عليه قبل أن يبعث.
فهو و إن كان أكبر من النبي الكريم – صلى الله عليه و سلم - بخمس سنوات، إلا أنه كان يألفه، و يأنس به، و يرتاح إلى صحبته و مجالسته، و كان الرسول – صلى الله عليه و سلم – يبادله ودا بود، و صداقة بصداقة.
ثم جاءت آصرة القربى فوثقت ما بينهما من علاقة، و ذلك حين تزوج النبي – صلى الله عليه و سلم – من عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
* * *
و قد تعجب بعد كل الذي بسطناه لك من علاقة حكيم بالرسول عليه الصلاة و السلام إذا علمت أن حكيما لم يسلم إلا يوم الفتح، حيث كان قد مضى على بعثة الرسول صلوات الله و سلامه عليه ما يزيد على عشرين عاما!!.
فقد كان المظنون برجل مثل حكيم بن حزام حباه الله ذلك العقل الراجح، و يسر له تلك القربى القريبه من النبي صلوات الله عليه، و أن يكون أول المؤمنين به، و المصدقين لدعوته، و المهتدين بهديه.
و لكنها مشيئة الله...
و ما شاء كان...
* * *
و كما نعجب نحن من تأخر إسلام حكيم بن حزام، فقد كان يعجب هو نفسه من ذلك.
فهو ما كاد يدخل الإسلام و يتذوق حلاوة الإيمان، حتى جعل يعض بنان الندم على كل لحظة قضاها من عمره و هو مشرك بالله مكذب لنبيه.
فلقد رآه ابنه بعد إسلامه يبكي، فقال: "ما يبكيك يا أبتاه؟!."
قال: "أمور كثيرة كلها أبكاني يا بني:
أولها بطء إسلامي مما جعلني أسبق إلى مواطن كثيرة صالحة حتى لو أنني أنفقت ملء الأرض ذهبا لما بلغت شيئا منها.
ثم إن الله أنجاني يوم "بدر" و "أحد" فقلت يومئذ في نفسي:
لا أنصر بعد ذلك قريشا على رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و لا أخرج من مكة، فما لبثت أن جررت إلى نصرة "قريش" جرا.
ثم إنني كنت كلما هممت بالإسلام، نظرت إلى بقايا من رجالات قريش لهم أسنان و أقدار متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية، فأقتدي بهم و أجاريهم...
و ياليت أني لم أفعل..
فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا و كبرائنا...
فلم لا أبكي يا بني؟!!."
* * *
و كما عجبنا نحن من تأخر إسلام حكيم بن حزام، و كما كان يعجب هو نفسه من ذلك أيضا، فإن النبي صلوات الله و سلامه عليه كان يعجب من رجل له مثل حلم حكيم بن حزام و فهمه، كيف يخفى عليه الإسلام و كان يتمنى له و للنفر الذين هم على شاكلته أن يبادروا إلى الدخول في دين الله.
ففي الليلة التي سبقت فتح مكة قال عليه الصلاة و السلام لأصحابه:
(إن بمكة لأربعة نفر أربأ بهم عن الشرك، و أرغب لهم في الإسلام)
قيل: "و من هم يا رسول الله؟".
قال: (عتاب بن أسيد، و جبير بن مطعم، و حكيم بن حزام، و سهيل بن عمرو).
و من فضل الله عليهم أنهم أسلموا جميعا...
* * *
و حين دخل الرسول صلوات الله و سلامه عليه مكة فاتحا، أبى إلا أن يكرم حكيم بن حزام فأمر مناديه أن ينادي:
"من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله فهو آمن...
و من جلس عند الكعبة فوضع سلاحه فهو آمن..
و من أغلق عليه بابه فهو آمن...
و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن...
و من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن..."
و كانت دار حكيم بن حزام في أسفل مكة، و دار أبي سفيان في أعلاها.
* * *
أسلم حكيم بن حزام إسلاما ملك عليه لبه، و آمن إيمانا خالط دمه و مازج قلبه...
و آلى على نفسه أن يكفر عن كل موقف وقفه في الجاهلية، أو نفقة أنفقها في عداوة الرسول – صلى الله عليه و سلم – بأمثال أمثالها.
و قد بر بقسمه...
من ذلك أنه آلت إليه دار الندوة و هي دار عريقة ذات تاريخ...
ففيها كانت تعقد قريش مؤتمراتها في الجاهلبة، و فيها اجتمع سادتهم و كبراؤهم ليأتمروا برسول الله – صلى الله عليه و سلم - .
فأراد حكيم بن حزام أن يتخلص منها – و كأنه كان يريد أن يسدل ستارا من النسيان على ذلك الماضي البغيض – فباعها بمئة ألف درهم، فقال له قائل من فتيان قريش:
"لقد بعت مكرمة قريش يا عم".
فقال له حكيم: "هيهات يا بني، ذهبت المكارم كلها و لم يبق إلا التقوى، و إني ما بعها إلا لأشتري بثمنها بيتا في الجنة...
و إني أشهدكم أنني جعلت ثمنها في سبيل الله عز و جل."
* * *
و حج حكيم بن حزام بعد إسلامه، فساق أمامه مئة ناقة مجللة بالأثواب الزاهية ثم نحرها جميعها تقربا إلى الله...
و في حجة أخرى وقف في عرفات، و معه مئة من عبيده و قد جعل في عنق كل واحد منهم طوقا من الفضة، نقش عليه:
عتقاء لله عز و جل عن حكيم بن حزام.
ثم أعتقهم جميعا...
و في حجة ثالثة ساق أمامه ألف شاة – نعم ألف شاة – و أراق دمها كلها في "منى"، و أطعم بلحومها فقراء المسلمين تقربا لله عز و جل.
* * *
و بعد غزوة "حنين" سأل حكيم بن حزام رسول الله – صلى الله عليه و سلم – من الغنائم فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، حتى بلغ ما أخذه مئة بعير – و كان يومئذ حديث إسلام – فقال له الرسول صلوات الله و سلامه عليه:
(يا حكيم:
إن هذا المال حلوة خضرة...
فمن أخذ بسخاوة نفس بورك له فيه...
و من أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، و كان كالذي يأكل ولا يشبع...
و اليد العليا خير من اليد السفلى).
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك من الرسول عليه الصلاة و السلام قال:
"يا رسول الله، و الذي بعثك بالحق لا أسأل أحدا بعدك شيئا...
و لا آخذ من أحد شيئا حتى أفارق الدنيا..."
و بر حكيم بقسمه أصدق البر.
ففي عهد أبي بكر دعاه الصديق أكثر من مرة لأخذ عطائه من بيت مال المسلمين فأبى أن يأخذه...
و لما آلت الخلافة إلى الفاروق دعاه إلى أخذ عطائه فأبى أن يأخذ منه شيئا أيضا...
فقام عمر في الناس و قال:
"أشهدكم يا معشر المسلمين أني أدعو حكيما إلى أخذ عطائه فيأبى."
و ظل حكيم كذلك لم يأخذ من أحد شيئا حتى فارق الحياة...