تخريج حديث عوف بن مالك الأشجعي في فضل " لا حول ولا قوة إلا بالله " ، وسبب نزول قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ).
السؤال:
ما صحة هذا الحديث ؟ ذهب عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله ، إن ابني مالكًا ذهب معك غازيًا في سبيل الله ولم يعد ، فماذا أصنع ؟ ، لقد عاد الجيش ولم يعد مالك ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( يا عوف ، أكثر أنت وزوجك من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فذهب الرجل إلى زوجته التي ذهب وحيدها ولم يعد، فقالت له: ماذا أعطاك رسول الله يا عوف؟ ، قال لها: أوصاني أنا وأنتِ بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فماذا قالت المرأة المؤمنة الصابرة ؟ ، قالت: لقد صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وجلسا يذكران الله بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأقبل الليل بظلامه ، وطُرِق الباب، وقام عوف ليفتح فإذا بابنه مالك قد عاد ، ووراءه رؤوس الأغنام ساقها غنيمة ، فسأله أبوه : ما هذا ؟ ، قال: إن القوم قد أخذوني وقيّدوني بالحديد وشدّوا وثاقي ، فلما جاء الليل حاولت الهروب فلم أستطع لضيق الحديد وثقله في يدي وقدمي وفجأة شعرت بحلقات الحديد تتّسع شيئًا فشيئًا حتى أخرجت منها يديّ وقدميّ ، وجئت إليكم بغنائم المشركين هذه ، فقال له عوف: يا بني ، إن المسافة بيننا وبين العدو طويلة ، فكيف قطعتها في ليلة واحدة ؟! ، فقال له ابنه مالك: يا أبت، والله عندما خرجت من السلاسل شعرت وكأن الملائكة تحملني على جناحيها، سبحان الله العظيم! ، وذهب عوف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخبره ، وقبل أن يخبره قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: أبشر يا عوف ، فقد أنزل الله في شأنك قرآنًا: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه .
روى الطبراني في "الدعاء" (1672) من طريق الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنِي وَإِنَّهُمْ يُكَلِّفُونَهُ مِنَ الْفِدَاءِ مَا لَا نُطِيقُ، قَالَ: ( ابْعَثْ إِلَى ابْنِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) قَالَ: فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ فَقَالَهَا، فَغَفَلَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، فَاسْتَاقَ خَمْسِينَ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِهِمْ فَقَعَدَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْهَا حَتَّى أَتَى بِهَا أَبَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 3 .
وهذا حديث موضوع ، فإن الكلبي كذاب .
قال سفيان : قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب .
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل : يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وقال ابن حبان : مذهبه في الدين ، ووضوح الكذب فيه : أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب ، فكيف الاحتجاج به ؟!" انتهى "ميزان الاعتدال" (3 /557-559) .
ورواه الخطيب في "تاريخه" (10/118) من طريق إسماعيل بن زياد السكوني ، عن جويبر عن الضّحاك عن ابن عبّاس .
وإسماعيل .. قال عنه ابن حبان : " شيخ دجال لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه " انتهى من " ميزان الاعتدال" (1/ 230) .
وجويبر هو ابن سعيد الأزدي ، متروك ، كما قال الدارقطني والنسائي وغيرهما ، وضعفه ابن المديني جدا .
"ميزان الاعتدال" (2/222) ، "التهذيب" (2/106) .
والضحاك لم يلق ابن عباس .
وله شاهد يرويه أبو الحسن النيسابوري في "أسباب النزول" (ص 457).
وفي إسناده عبيد بن كثير العامري : قال الأزدي والدارقطني: متروك الحديث.
" ميزان الاعتدال " (3/ 23) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : جَاءَ مَالِكٌ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لَهُ: أُسِرَ ابْنِي عَوْفٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَرْسِلْ إِلَيْهِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أَنْ تُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ... فذكر الحديث ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 170) .
وهذا معضل .
وقال الثعلبي في "تفسيره" (9/ 336) ، وتبعه البغوي في " تفسيره " (5/109) :
" قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي ، وذلك أنّ المشركين أسروا ابنا له يسمّى : سالما، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ العدوّ أسر ابني وشكا إليه أيضا الفاقة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ما أمسى عند آل محمد إلّا مُدٌّ ، فاتّق الله واصبر ، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلّا بالله) .
وروى ابن جرير (23/ 447) عن السدي : " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عوف الأشجعي ، كان له ابن ، وأن المشركين أسروه ، فكان فيهم ، فكان أبوه يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فيشكو إليه مكان ابنه ، وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا إذ انفلت ابنه من أيدي العدو، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها، فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغنى قد أصابه من الغنم ، فنزلت هذه الآية: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
ثم رواه بنحوه عن سالم بن أبي الجعد ، ليس فيه ذكر : " لا حول ولا قوة إلا بالله "
وهذان مرسلان .
وروى الحاكم (1993) ، والبيهقي في "الدلائل" (6/106) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُرَاهُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَغَارُوا عَلَيَّ فَذَهَبُوا بِابْنِي وَإِبِلِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كَذَا وَكَذَا أَهْلَ بَيْتٍ - وَأَظُنُّهُ قَالَ تِسْعَةَ أَبْيَاتٍ - مَا فِيهِمْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَلَا مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، فَاسْأَلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) ، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، قَالَتْ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخْبَرَهَا، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ رُدَّ عَلَيْهِ إِبِلُهُ، وَابْنَهُ أَوْفَرَ مَا كَانُوا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، " فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرَّغْبَةَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ) .
وليس فيه : " لا حول ولا قوة إلا بالله " .
وإسناده ضعيف ، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه .
ثم رواه البيهقي عن أبي عبيدة مرسلا بدون ذكر أبيه .
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (972) .
والخلاصة :
أنه حديث ضعيف من جميع طرقه، وبعضها أشد ضعفا من بعض ، وخاصة مع ذكر الحوقلة.
واللفظ الذي ذكره السائل فيه زيادات لم نرها في شيء من طرق الحديث .
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب