《خواطر من صيد الخاطر》
خواطر منتقاه من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي رحمه الله :
- من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر ، ومن أيقن بطول الطريق
تأهب للسفر.
- الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي ، فإن نارها تحت الـرماد
وربما تأخـرت العقوبة ، وربما جاءت مستعجلة.
- رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم فإذا ظهر عاتبوا من أخبروا به
فوا عجبا كيف ضاقوا بحبسه ذرعا ، ثم لاموا من أفشاه ؟
- أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسلامة ، و تأميله الإصلاح فيما بعد
وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حد ، فكلما أصبح وأمسى معافى
زاد الاغترار ، وطال الأمل.
- كل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل ، وكذلك كل مذنب ذنبا
وهو معنى قوله تعالى : ( من يعمل سوءا يجز به )
وربما رأى العاصي سلامة بدنه فظن ألا عقوبة ، وغفلته عما عوقب
به عقوبة.
وقد قال الحكماء :
المعصية بعد المعصية عقاب المعصية ، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.
- نظرت في الأدلة على الحق سبحانه وتعالى فوجدتها أكثر من الرمل
ورأيت من أعجبها :
أن الإنسان يخفي ما لا ير ضاه الله عز وجل فيظهره الله سبحانه عليه
ولو بعد حين ، وينطق به الألسنة وإن لم يشاهده الناس ، وربما أوقع
صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق ، فيكون جوابا لكل ما أخفى
من الذنوب ، وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل
ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ، ولا استتار ، ولا يضاع لديه عمل.
وكذلك يخفي الإنسان الطاعة ، فتظهر عليه ، ويتحدث الناس بها
وبأكثر منها ، حتى إنهم لا يعرفون له ذنبا ، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن
ليعلم أن هنالك ربا لا يُضِيع عمل عاملٍ ، وإن قلوب الناس لتعرف
حال الشخص ، وتحبه ، أو تأباه ، وتذمه ، أو تمدحه وفق ما يتحقق
بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم ، ويدفع عنه كل شر.
وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق
إلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذاما .
- إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة ، كم من مؤمن بالله عز وجل
يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذرا من عقابه
أو رجاء لثوابه أو إجلالا له فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودا هنديا
على مجمر ، فيفوح طيبه ، فيستنشقه الخلائق ، ولا يدرون أين هو.
وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته ، أو على مقدار
زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب ، ويتفاوت تفاوت العود.
فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص ، وألسنتهم تمدحه ، ولا يعرفون
ولا يقدرون على وصفه ، لبعدهم عن حقيقة معرفته.
وقد تمتد هذه الأراييح بعد الموت على قدرها ، فمنهم من يذكر بالخير
مدة مديدة ، ثم ينسى ، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره
وقبره ، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدا .
وعلى عكس هذا من هاب الخلق ، ولم يحترم خلوته بالحق
فإنه على قدر مبارزته بالذنوب ، وعلى مقادير تلك الذنوب
يفوح منه ريح الكراهة ، فتمقته القلوب ، فإن قل مقدار ما جن
قل ذكر الألسن له بالخير وبقي مجرد تعظيمه وإن كثر كان قصارى
الأجر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.