((حياة امتنا فى القراءة ))
يحكى أن أحد الأدباء الأندلسيين كان حاضراً سوقاً لبيع الكتب الفريدة ،ويتطلع للحصول على نسخة من هذا الكتاب ليضمه على رفوف مكتبته الغنية بكل مالذ وطاب من نتاج القرائح والعقول ،وكان هذا الأديب مستعداً لدفع المبالغ الكبيرة لقاء الحصول على الكتاب ،لكن ما استرعى انتباهه وجود منافس قوي له ،كان يزيد على المبلغ الذي يدفعه الأديب ،إلى أن ارسا المزاد على هذا الشخص المنافس.
وتوقع الأديب أن يكون خصمه أديباً يتفوق عليه في صناعة الأدب وتجارة الفكر ،لكنه فوجئ مفاجأة كبيرة عندما علم أن الخصم لم يكن إلا تاجراً معروفاً من تجار الأندلس .
عندئذ تقدم منه وسأله عن سبب إصراره على الظفر بالكتاب الذي كان الأديب طامحاً في الحصول عليه ،فأجابه التاجر لأن لدي موضعاً في مكتبة البيت بحجم هذا الكتاب ،فأردت ألا أفوت على نفسي فرصة اقتنائه ،لأضيفه إلى الكتب الأخرى التي تضمها المكتبة فيصبح شكلها أجمل وأبهى !
نستنتج من هذه القصة أن اقتناء الكتاب في الأندلس ووجود المكتبات المنزلية الضخمة قد بلغ شأواً بعيداً ،ولانبالغ إذا قلنا كلن يقترب من حد الهوس أو الجنون .
ناهيك عن وجود مكتبات عامة ضخمة كانت حديث القاصي والداني بغزارة محتوياتها ونفاسة ما تحويه .
اليوم باتت الحالة في عالمنا العربي تدعو على الإشفاق ،فالكتاب يحاول الحصول على هوية تقدمه إلى الآخرين كياناً مستقلاً ،فيعاني الأمرين في الحصول على هذه الهوية ،وإذا نجح في الحصول عليها بعد لأي ومعاناة ،فإنها هوية مطبوعة بحروف شاحبة باهتة .
مواطننا العربي يتذرع حيناً بسوء الحالة الاقتصادية ،وحيناً بضيق الوقت وكثرة الإنشغال،وحيناً بإنجرافه مع تيار عصر الاستهلاك والحياة المادية التي طغت على الروح وجعلتها تعيش في حالة اغتبراب.
هو في حالة بحث دائم دائب عن سبب يقنع به نفسه قبل أن ينطلق ليقنع به الآخرين ،في محاولة يائسة يفسر بها سبب انصرافه عن القراءة ،في عصر نسميه عصر الثورة الرقمية أو المعرفية ،في عصر (الانترنت) الذي جعلك بضغطه واحدة على الزر تطوف على مكتبات وكتب العالم كلها!
لدى هذا المواطن متسع من الوقت للجلوس على الفضائيات الطويلة يقلب شاشة التلفاز من فضائية إلى أخرى ،حيث يسود الفن الهابط ،وتطرح الأحجيات السخيفة ،وتبث المسلسلات التي لايعرف المشاهد ما الهدف الذي تسعى لبلوغه .تتكاثر هذه الفضائيات تكاثر الفطر السام ،وتحمل سكينها لتذبح بحده وقت المواطن العربي من الوريد إلى الوريد ومن المحيط إلى الخليج !
أما إذا أخبرت هذا المواطن بأن المركز الثقافي الفلاني يضم عيون الكتب العربية ،ودعوته لرحلة قصيرة للاطلاع على بعض هذه الكتب ،وجد الوقت أضيق من سم الخياط!
اليوم ماذانقول للمتنبي الذي يقول:
أعز مكان في الدنى سرج سابح/وخير جليس في الأنام كتاب
وماذا نقول للجواهري الذي يقول:كانت عباقرة الدنيا وقادتهاتأتي المورق في أقصى الدكاكين
أخشى أن نجد أنفسنا مضطرين لنقول لهما:
لقد أسمعت لو ناديت حياً /ولكن لاحياة لمن تنادي
حياة أمتنا في القراءة ،ولن تقوم لها قائمة إلا بالعودة إلى الكتاب ، فلتشد الرحال إليه الآن الآن وليس غداً ،إذا أرادت معانقة نور الحياة .