حديث : ( .. كيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع ؟ ) : باطل موضوع .
السؤال:
أودالتأكد من صحة رواية هذا الحديث القدسي : ( حينما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى , وأوحى إليه ربه يا محمد , ارفع رأسك , وسل تُعطَ. قال: يا رب, إنك عذبت قومًا بالخسف , وقومًا بالمسخ , فماذا أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى : أنزل عليهم رحمتي , وأبدل سيئاتهم حسنات , ومن دعاني أجبته , ومن سألني أعطيته , ومن توكل علي كفيته , وأستر على العصاة منهم في الدنيا , وأشفعك فيهم في الآخرة , ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم . يا محمد , إذا كنت أنا الرحيم , وأنت الشفيع , فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع ؟!) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث بتمامه لم نجد له أصلا ، وأمارات الوضع عليه لائحة ، وقوله فيه : ( ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم ) : منكر ؛ حيث جعل حساب هذه الأمة من عتاب الحبيب لحبيبه ، وأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : ( افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : (الْجَمَاعَةُ)
رواه ابن ماجة (3992) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وروى البخاري (7050) ، ومسلم (2290) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ : فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ : وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ (إِنَّهُمْ مِنِّي) ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ : (سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي) .
وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) المجادلة/ 6 .
ومن كان عنده أدنى علم بأمر الشرع ، وأصوله التي بني عليها ، ونظر أدنى نظر فيما ورد فيه من الوعد والوعيد : علم بطلان مثل هذا الكلام ، وأنه مناقض لما تواتر في كتاب الله وسنة رسوله من حال العصاة ، ووعيدهم ، وما علم - يقينا - من أن أناسا من هذه الأمة سوف ينالهم من هذا الوعيد ما ينالهم على معاصيهم : فكم من زانٍ ، أو سارقٍ ، أو قاتلٍ .. كم من هؤلاء من يعاقبه الله على جرمه ، ويلحق به وعيده وعذابه في الدنيا والآخرة ؟!
وقد ذكره الفتني في " تذكرة الموضوعات " (ص 227) مختصرا فقال :
" وَفِي الذيل : ( لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقُلْتُ : إِلَهِي وَسَيِّدِي اجْعَلْ حِسَابَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيَّ لِئَلا يَطَّلِعَ عَلَى عُيُوبِهِمْ أَحَدٌ غَيْرِي . فَإِذَا النِّدَاءُ مِنَ الْعَلِيِّ : يَا أَحْمَدُ إِنَّهُمْ عِبَادِي لَا أُحِبُّ أَنْ أُطْلِعَكَ عَلَى عُيُوبِهِمْ . فَقُلْتُ : إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ الْمُذْنِبُونَ مِنْ أُمَّتِي ! فَإِذَا النِّدَاءُ مِنَ الْعَلِيِّ : يَا أَحْمَدُ إِذَا كُنْتُ أَنَا الرَّحِيمُ وَكُنْتَ أَنْتَ الشَّفِيعَ فَأَيْنَ تَبَيَّنَ الْمُذْنِبُونَ ؟ فَقُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي) ، فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ : كَذَّاب " انتهى .
وذكره المتقي الهندي في " كنز العمال " (14/53) باللفظ السابق ، ثم قال : " محمد ابن علي المذكر قال في المغني: متهم تالف، قلت: وأخلق بهذا الحديث أن يكون من وضعه".انتهى .
والصحيح الثابت ما رواه مسلم (202) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : ( اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ ) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللهُ : ( يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلَا نَسُوءُكَ ) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب