[شبهة حول حديث رهن النبيﷺ لدرعه عند يهودى..]
والآن نبدأ في كشف الشبهات حول حديث رهن درع النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يشيع الباطل بدون إيضاح الحق، وحتى لا يصح إلا القول الصحيح:
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "اشترى طعامًا من يهودي إلى أجَلٍ ورهَنه درعًا من حديد".
ويقول ابن حجر في "فتح الباري": الحديث له أطراف في عدة مواقع من الصحيح تحت رقم: 2068 - 2096 - 2200 - 2251 - 2252 - 2386 - 2509 - 2513 - 2916 - 4467 - من كتاب البيوع جـ 4.
ويقول ابن حجر في أول كتاب الرهن: قال العلماء: الحكمة من عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يأخذون منه ثمنًا أو عِوَضًا فلم يُرِد التضييق عليهم، فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك مَن يقدر على ذلك وأكثر منه، فلعلَّه لم يُطلعهم على ذلك، وإنما أطلَعَ عليه مَن لم يكن موسرًا به ممَّن نقَل ذلك، والله أعلم"؛ فتح الباري جـ 5، ودليل الفاتحين جـ 2.
ويقول الشوكاني في "نيل الأوطار" أول كتاب الرهن: عن أنس قال: "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعًا عند يهودي بالمدينة، وأخذ منه شعيرًا لأهله"؛ رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه، ثم يقول: وقوله: "عند يهودي" هو أبو الشحم كما بيَّنه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رهَن درعًا له عند أبي الشحم اليهوديِّ - رجل من بني ظفر - في شعير".
ويقول: والأحاديث المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن، وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضَر، ومعاملة أهل الذمة، وجواز رهن السلاح عندهم لا عند أهل الحرب بالاتِّفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجَّل"، انتهى، نيل الأوطار جـ 5.
ليس جديدًا ولا مبتكرًا رفض هذا الحديث:
وليعلم الرافضون أن رفضهم للصحيح من السنَّة ليس جديدًا ولا مُبتكرًا؛ فقد سبقهم الخوارج والرافضة وتصدى لهم ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" وهو من القرن الثالث الهجري، وقد تعرَّض لحديث رهن الدرع ورد على الرافضة بقوله: "ونحن نقول: إنه ليس في هذا ما يُستعظم، بل ما يُنكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه بأمواله ويفرِّقها على المحقِّين من أصحابه وعلى الفقراء والمساكين وفي النوائب التي تنوب المسلمين، ولا يرد سائلاً، ولا يُعطي - إذا وجد - إلا كثيرًا، ولا يضع درهمًا فوق درهم، وقالت له أم سلمة: يا رسول الله، أراك ساهم الوجه، أمِنْ علَّة؟ فقال: ((لا، ولكنها السبعة الدنانير التي أتينا بها أمس نسيتها في خصم الفراش فبتُّ ولم أقسِّمها))، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول في بكائها عليه: "بأبي مَن لم ينَمْ على الوثير، ولم يشبَعْ مِن خُبزِ الشَّعير"، وليس يخلو قولها هذا من أحد أمرين؛ إما أن يكون يُؤثِر بما عنده حتى لا يبقى عنده ما يُشبعه، أو يكون لا يبلغ الشبع من الشعير ولا من غيره لأنه كان يكره إفراط الشبع، وقد كره ذلك كثير من الصالحين والمجتهدين، وهو صلى الله عليه وسلم أولاهم بالفضل وأحراهم بالسَّبق.