الحمد لله
أولا :
" عام الحزن " : اشتهر عند الناس إطلاقه على العام الذي توفيت فيه خديجة رضي الله عنها ، وأبو طالب ، وذلك لما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن والهمّ بموتهما ، ولما تعرض له من أذى السفهاء ، فقد كانت زوجته وعمه يدفعان عنه الكثير من الأذى والضر .
قال ابن إسحاق رحمه الله :
" فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى من "سيرة ابن هشام" (2/ 46) .
وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين .
ثانيا :
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من أصحابه ، بل ولا من التابعين ، ومتقدمي الأئمة : أنه سمى هذا العام بعام الحزن ؛ ولم يُرو ذلك مسندا من وجه ، وغاية ما في الأمر أنها تسمية من العلماء .
قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (8/ 180):
" توفّي أبو طَالب هُوَ وَخَدِيجَة فِي أَيَّام ثَلَاثَة ، قَالَ صاعد فِي (كتاب الفصُوص) : فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَمِّي ذَلِك الْعَام عَام الْحزن ، وَكَانَ ذَلِك وَقد أَتَى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا " انتهى.
وصاعد هذا : هو صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي ، ولم يكن صدوقا ، قال ابن بشكوال في "الصلة" (ص233) : " كان صاعد هذا يتهم بالكذب وقلة الصدق فيما يورده عفى الله عنه " انتهى .
وقال الذهبي رحمه الله :
" جمَع الفصوص عَلَى نحو"أمالي القالي " للمنصور، فأثابه عَليْهِ خمسة آلاف دينار. وكان متَّهَمًا في النَّقل ، فلهذا هجروا كتابه ، وقد تخرَّج بِهِ جماعة مِن فُضلاء الأندلس ، لمّا ظهر كذبِه للمنصور رمى بكتابه في النّهر، ثمّ خرج مِن الأندلس في الفتنة وقصد صقلّية ، فمات بها " انتهى من "تاريخ الإسلام" (28/ 246) .
وقال ابن سيده رحمه الله :
" عام الحزَنِ : الْعَام الَّذِي مَاتَت فِيهِ خَدِيجَة وَأَبُو طَالب ، فَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الحزَنِ ، حكى ذَلِك ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي ، قَالَ: وَمَاتَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين " .
انتهى من"المحكم" (3/ 225) .
ومات ابن الأعرابي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، كما في "سير أعلام النبلاء" (9/ 75) ، وهو أعلى من نسب تسمية هذا العام بعام الحزن إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله : " فإني بعد مزيد البحث عنه لم أقف عليه " يعني مسندا .
انتهى من "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 18) .
وقال الدكتور محمد بن عبد الله العوشن ، حفظه الله :
"عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بعام الحزن ، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وأبي طالب عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة ، وذكروا أنه - صلى الله عليه وسلم - لشدة حزنه سمى هذا العام عام الحزن ؛ فهل صح ذلك ؟
لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة ، بل ولا الضعيفة ، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كسيرة ابن إسحاق وشرحها للسهيلي ، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كابن القيم والذهبي وابن كثير، ولا غيرهم من شرّاح الأحاديث كالنووي وابن حجر -رحمهم الله- .."
ثم قال :
ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها ...
ثم ذكر طرفا من تلك الحوادث التي تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال :
" كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا - رضي الله عنهم - ولم يُنقل أنه (صلى الله عليه وسلم) -على شدة حزنه- سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه " .
ينظر : "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (67-69) .
والله أعلم .