♤"يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".♤
الأخوة هي طريق من طرق الجنة، ويحكى النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أهل الجنة في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
"يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
وانظر، الصحابة في منتهى الاشتياق، فمن هو الصحابي الذي يمشي على وجه الأرض وهو من أهل الجنة؟
فيقول أنس بن مالك راوي الحديث:
فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال.
ووصف سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عن الرجل يدل على أن الرجل بسيط جدا، وغير معروف بين الصحابة، مجرد رجل من الأنصار كما يقول أنس، ولو كان معروفا لكان سماه باسمه، لكنه رجل غير معروف.
فلما كان الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال نفس الكلمات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
وانتظر الصحابة، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، نفس الرجل الأنصاري، وطلع بنفس الهيئة، فلما كان اليوم الثالث، قال الني صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا:
يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فكان بإمكان الرسول أن يقول لهم في منتهى الوضوح عمل هذا الرجل، لكن أراد الرسول أن يشوقهم إلى أن يعرفوا قصة هذا الرجل، وما أرجى عمل عمله؛ ليكون من أهل الجنة وهو رجل بسيط لا يعرفه أحد؛ ليكون ذلك أبلغ في استيعاب الدرس، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال له:
إني لاحيت أبي- يعني خاصمت أبي- فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تئويني إليك، حتى تمضي فعلتَ.
قال: نعم.
قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث.
فأنس رواي الحديث رضي الله عنه وأرضاه يحكي أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يحكي حكايته مع هذا الرجل العجيب، فيقول أنس بن مالك يروي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار استيقظ من نومه، وتقلب في فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر، يذكر الله، ويكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث اليالي، وكدت أن أحتقر عمله، هو لا يقصد الاحتقار بمعناه، ولكن استقله، فالرجل يصلي، ويذكر الله عز وجل، ولا يقول إلا خيرا ككل الصحابة، فلماذا خص الرسول هذا الرجل بالذات، ويؤكد ثلاث مرات أنه من أهل الجنة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، كان من عباد الصحابة، كان يصوم معظم الأيام، ويقوم معظم الأيام، ويقرأ القرآن، ويختمه في ثلاثة أيام، ولم يرى عملًا للأنصاري يرفع درجاته في الدنيا إلى الدرجة التي أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واثنتين وثلاثة، فبدأ يصارحه، فقلت:
يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب، ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك ثلاث مرات: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك، فأقتضي بك، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما هو إلا ما رأيت.
يقول عبد الله بن عمرو العاص: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.
من الصعب جدا أن تحب الخير لكل الناس، لكن مع صعوبتها، فإن أجرها الجنة، حتى ولو كنت رجلا بسيطا، لست عالم من العلماء، أو عظيم من العظماء.
فإذن ترسخ في أذهان الصحابة أن دخول الجنة مقرون بحبك لأخيك، دون مصلحة، أو رحم، وترسخ لديهم أن الشحناء، والبغضاء، والهجر، معوقات واضحة لدخول الجنة، وعلى قدر حبهم للجنة، أحبوا بعضهم البعض، وعلى قدر اشتياقهم للجنة غفر بعضهم لبعض، فهذا هو المفهوم الأول في أذهان الصحابة عن مسألة الإخوة في الله، أو عن معنى الإخوة في الله، أنها طريق واضح للجنة.