بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اما بعد :،؛
يقول الحسن البصرى
"إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل."
لا بد أن تعرف أولا ما وقر في القلب، فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في القلب الذي لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، ولكن الأهم وصدقه العمل، فالإيمان بغير العمل كشجرة بلا ثمر، وواهم من يظن أنه يصل إلى الجنة بدون العمل، فهذا ضد النواميس العادلة التي وضعها رب العزة سبحانه وتعالى.
روى الترمذي، وابن ماجه، وأحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه و أرضاه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: قال رسول الله: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ".
يعمل كل الآثام، والشرور، ثم يتمنى على الله، يقول: إن الله غفور رحيم.
إن هذا الكلام نسمعه كثيرا، يعمل الإنسان كل المعاصي، ويقول: ربنا غفور رحيم.
سبحان الله، لماذا يتذكر الإنسان آيات الرحمة، ولا يتذكر آيات العذاب
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49،50].
وإننا نجد من يقول: إن الله ينظر إلى القلوب، وما دام القلب نظيفا فلا يضر الإنسان شيئا.
إن القلب النظيف يأتي عليه الوقت الذي يعصي فيه الله عز وجل، و يكسل القلب النظيف، ولا يسمع كلام مَنْ خلقه، هذا كلام حق يُرَاد به باطل، إن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، ونظافة القلب شيء من الأهمية بمكان، ولكن لا بد من العمل مع الإيمان.
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
وهناك من يقول بمنتهى الاستهتار: لن يضرنا شيء، ولن يصيبنا شيء، إن الله غفور رحيم.
لو أحسن هؤلاء الظن بالله لأحسنوا العمل، فلا بد من العمل، والإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب، فهل يعقل أن ينجب الإنسان الأولاد بغير زواج، وهل يعقل أن ينبت الزرع بدون أن يزرعه الإنسان، وهل تسير السفينة في الصحراء، وتقول: إن الله سوف ينزل المطر من السماء، وسوف ينزل طوفان من السماء مثل طوفان نوح عليه السلام.
هذا ضد السنن الكونية، والله عز وجل لا يخالف سننه إلا في ظروف خاصة جدا، والإنسان مأمور بالسير في ضوء السنن الكونية، إن الله عز وجل يقف بجوار من يأخذ بالأسباب، ويسعى في الأرض منفذا قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
وعلى المرء أن يسعى، وليس عليه إدراك النتائج، والإنسان مأمور إذا قامت القيامة، وفي يده فسيلة، وهي النخلة الصغيرة أن يزرع هذه الفسيلة، رغم أن القيامة قد جاءت، وسوف يقوم الناس للبعث، والنشور، ولكن الإنسان مأمور بالعمل، أما النتائج فهي في علم الله عز وجل، فكيف يدخل الإنسان الجنة بدون العمل، أوقاته يقضيها في اللهو واللعب، والإعراض عن ذكر الله، وعن أوامر الله، فمن الطبيعي بعد كل هذا هو عدم دخول الجنة.
فلا بد أن تسير في السنة الكونية، وسنة الله عز وجل
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلزلة: 7 ،8]
. وعلى قدر العمل يأتي الثواب، والجزاء من جنس العمل، إنما التواكل على الله عز وجل، واعتقاد النجاة بدون عمل، هذا ليس مسلك الصالحين، وهذا لم يكن أبدا مسلك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا المسلك سلكه الضالون من أهل الأرض.
هذا المسلك الخاطئ كان ثمة مميزة لبني إسرائيل، على سبيل المثال بنو إسرائيل قال الله عز وجل في حقهم: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:70 ،71].
كان بنو إسرائيل يعلمون هذه الحقائق، ولكنهم أعرضوا عنها، فلم يتمسكوا بها، ولم يطبقونها، إنهم علموا، ولكنهم لم يعملوا، فكانت النتيجة ضلال، وكفر، ولعنة، وجهنم، انظر إلى حيي بن أخطب، يقول لأخيه، وحيي بن أخطب من أكابر اليهود أيام الرسول فلما ذهب إلى الرسول سأله أخوه عن هذا الرجل، عن رسول الله: أهو هو؟
هل هذا هو الرسول الذي جاءت به كتبنا؟
قال: نعم.
قال: وما تفعل معه.
انظر إلى كلام حيي بن أخطب، وهو يعرف أنه هو رسول الله، قال:
عداوته ما بقيت.
أحارب هذا الرسول إلى أن أموت، علم ولا عمل، عجز، وحماقة، وغباء، حقا حتى تاريخ اليهود يشهد بهذه الصفة دائما علم بلا عمل.
روى البخاري، ومسلم، وغيرهما، وهذه الرواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَسْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ".
فبدلا من السجود، دخلوا بالزحف، وقالوا: حبة في شعرة.
يعني بدل ما يقولون: حطة. قالوا: حبة في شعرة.
في رواية قالوا: حنطة.
سبحان الله، لا يريدون أن يطبقوا، وهم يدركون الحقيقة، ويعرفونها، فإنهم كانوا علماء في دينهم، كما قال الحق سبحانه وتعالى في حقهم: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197].
لكن أين العمل؟
لا عمل.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ} [البقرة:67].
انظر كيف يردون على النبي: أتتخذنا هزوا.
سوء أدب، ومجادلة، وعناد، وحماقة، وعدم رغبة في التطبيق، يسمعون نعم، يسمعون، ولكن لا يطيعون، ولكن لكي يعصوا، سبحان الله يسمعون حتى يعصوا، انظر إلى كلام الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء:46].
كل هذا العناد من بني إسرائيل يلخصه الله عز وجل في وصفهم الذي وصفهم فيه في سورة الجمعة، قال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5].
إن الله عز وجل ساعدهم مرة، والثانية، والثالثة أن يقوموا بهذه المهمة المكلفين بها، وهي حمل التوراة، لكنهم عصوا مرة، والثانية، والثالثة. اختارهم وأرسل لهم الرسول الواحد تلو الآخر، رفضوا، وأراهم الآيات الواضحة واحدة وراء الثانية، ولكنهم أصروا على رفض مهمة الإنسان، وعملوا مهمة ثانية، وقبلوا مهمة الحمار، الحمار يحمل الأشياء بصرف النظر عن قيمتها، ومحتواها، يحمل الكتب مثلما يحمل الأكل، مثلما يحمل البرسيم، مثلما يحمل الحجارة، فهو لا يستفيد مما يحمله، وهذا ليس عيبا في الحمار، لأنه مخلوق لوظيفة الحمل، ولكن العيب هو عيب الإنسان الذي خلق من أجل العمل والعبادة، ولكنه لا يعمل وظيفته الرئيسية.
إن الله عز وجل أعطاهم التوراة حتى يعملوا بها، ويعلموها لغيرهم، هم قاموا بوظيفة الحمار، وهي حمل التوراة دون أن يفقهوا ما بداخلها، ولا أن يعلموا بمحتواها، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
وعلى الجانب الآخر المسلم الذي سوف يحتفظ بكتاب ربنا سبحانه وتعالى وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها في البيت، أو في السيارة، أو غيرها من الأماكن، ولا يعمل بها واقع تحت نفس الوصف، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
من يقرأ آيات الربا، ويتعامل بها، ومن يقرأ آيات الرفق واللين والدعوة وما زال يتعامل بالعنف.
ومن يقرأ آيات حفظ اللسان، ويطلق لسانه، ومن يقرأ عن بر الوالدين، وصلة الرحم، ومن يقرأ آيات الإنفاق، والجهاد وهو ما زال بخيلا بالمال، والنفس كمثل الحمار يحمل أسفارا، وسبحان الله، عندما يكون الإنسان من خارجه مسلم، واسمه مسلم، وأبوه وأمه مسلمين، ويخالف أوامر الله باستمرار يأخذ اسم قبيح جدا في الإسلام يأخذ اسم منافق، سبحان الله إنه شيء خطير، انظر إلى الحق سبحانه وتعالى يصف المنافقين في كتابه ويقول: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلً} [النساء:81].
فانتبه يا مسلم
لا يكفى العلم بدون عمل
منقول بتصرف د.راغب السرجانى