الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد..
إخواني الفضلاء وأنا أتصفح فتاوى ابن تيمية (رحمه الله) في مجموع الفتاوى لابن قاسم (رحمه الله)وقفت على هذا الكلام، وتعجبت من حال من يتصف بهذه الصفة القبيحة نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية ،ومن باب العمل بحديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الصحيح(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أحببت أن أنقل لكم هذا الكلام المهم من باب الفائدة، والتذكير ،والحذر من هذه الصفة السيئة والقبيحة، فأرجو منكم قراءة هذا الكلام جيداً وتدبره والحذر من هذا المرض الشنيع !ولينظر كل مسلم في حاله، فإن كانت هذه الصفة فيه فليجاهد نفسه لتركها، وإن كان معافى فليحمد الله على ذلك.
"كتبه أخوكم ومحبكم"
أبو أنس عبدالحميد بن علي الليبي.
وإليكم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله تعالى)،كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم(رحمه الله)
قال :
فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يري أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنـه، فيري موافقتهم مـن حسن المعاشرة وطيب المصاحبة، وقـد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم.
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتي. تارة في قالب ديانة وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدًا إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب، وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد؛ ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصه وهضمًا لجنابه. ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك، كما يخادعون مخلوقًا، وقد رأينا منهم ألوانًا كثيرة من هذا وأشباهه.
ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه، فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان، لما بلغني عنه كيت وكيت، ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده. أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم، وقصده مدح نفسه، وإثبات معرفته، وأنه أفضل منه.
ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة، والحسد. وإذا أثني على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح، أو في قالب حسد وفجور وقدح؛ ليسقط ذلك عنه.
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب، ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به.
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب، فيقول: تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت؟! ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت؟ وكيف فعل كيت وكيت؟ فيخرج اسمه في معرض تعجبه.
ومنهم من يخرج الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمني ما جري له وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف وقلبه منطو على التشفي به، ولو قدر لزاد على ما به، وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به. وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه.
ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول، وقصده غير ما أظهر. والله المستعان.
المصدر:
مجموع الفتاوى لابن قاسم رحمه الله تعالى وغفر له .م/ج27-الجزء الثامن والعشرون(ص/143-142)طبعة المكتبة التوفيقية.