السؤال
ما الفرق بين عاجل بشرى المؤمن ، وبين ما يعطى لأحد من العطايا والكرم من الله على أيدي الناس ، مقابل خير يعلمه الإنسان ولا ينتظر مقابلا له، لكنه يفاجأ مثلا بهدية ، أو بتسهيل معاملات وتيسير أمور؟ هل ينقص من أجر الإنسان؟ وهل كما يقال هو من عاجل بشرى المؤمن؟ وما المقصود بعاجل بشرى المؤمن؟
الجواب:
الحمد لله
عاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح مخلصا لله فيه ، لا يرجو به غير وجه الله ، فيطلع الناس عليه ، فيثنوا عليه به ، فيسره ذلك ويستبشر به خيرا ، فتلك عاجل بشرى المؤمن.
ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها في نومه أو تُرى له .
ومن ذلك وقوع محبته في قلوب الناس ، ورضاهم عنه .
ومن ذلك أن يجد في نفسه راحة للعمل الصالح وانشراح صدر .
ويكون ذلك وأمثاله من دلائل محبة الله له وقبول عمله ، فيعجل الله له البشرى في الدنيا بهذا الثناء والرضا والقبول من الناس ، ويدخر له في الآخرة جزيل الثواب .
روى البخاري (3209) ومسلم (2637) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) .
ورواه الترمذي (3161) وزاد : ( فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) .
قال النووي رحمه الله :
" وَمَعْنَى ( يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض ) أَيْ الْحُبّ فِي قُلُوب النَّاس , وَرِضَاهُمْ عَنْهُ , فَتَمِيل إِلَيْهِ الْقُلُوب , وَتَرْضَى عَنْهُ . وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة ( فَتُوضَع لَهُ الْمَحَبَّة ) " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 / 267) وراجع : "فتح القدير" (3 / 504)
وروى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )
قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ , وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى عَنْهُ , وَمَحَبَّته لَهُ , فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيث , ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض . هَذَا كُلّه إِذَا حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ , وَإِلَّا فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم " انتهى .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" والمعنى : أن الله تعالى إذا تقبل العمل أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه ، فيكون ما أوقع في القلوب مبشرا بالقبول ، كما أنه إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه وهم شهداء الله في الأرض " انتهى .
"كشف المشكل" (ص 245)
وقال السيوطي رحمه الله :
" أي هذه البشرى المعجلة دليل للبشرى المؤخرة إلى الآخرة " انتهى .
"شرح السيوطي على مسلم" (5 / 556)
وسئل ابن عثيمين :
ما معني الحديث الذي يقول ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : " المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه :
أولا : إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا على أن الله تعالى كتبه من السعداء ؛ لقول الله تبارك وتعالى ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) فمن بشرى المؤمن أن يجد من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ؛ ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن البشرى للمؤمن : أن يثني الناس عليه خيرا ؛ فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير .
ومنها : أن تُرى له المرائي الحسنة في المنام " انتهى باختصار .
"فتاوى نور على الدرب" (111 / 45-46)
وقال رحمه الله :
" ليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة ، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 207)
وروى البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ) قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : ( الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ).
وروى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فَقَالَ : ( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
الاسلام سؤال وجواب