حكم المسح على الخفاف المصنوعة من جلود القرود
السؤال:
ما حكم المسح على الخفين أو الجوربين المصنوعين من جلد القرد ؟
الجواب :
الحمد لله
جلود الحيوانات تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
جلد ما يؤكل لحمه ، إذا ذكي ذكاة شرعية ، فهذا يحل استعماله بالاتفاق ، سواء دبغ أو لم يدبغ .
القسم الثاني:
جلد ميتة ما يؤكل لحمه : فهذا يجوز استعماله بعد الدباغ ، على الصحيح .
القسم الثالث:
جلد ما لا يؤكل لحمه كالأسد والنمر والقرد الفهد ..
فهذ النوع : اختلف العلماء رحمهم الله في حكمه اختلافاً كثيراً ذكره النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع وذكر أقوال العلماء وأوصلها إلى سبعة مذاهب:
ينظر : "المجموع" للنووي (1/271) ، و" المغني"(1/53).
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن ما ذهب إليه الإمام أحمد وجماعة من السلف من تحريم استعمال جلود السباع وما لا يؤكل لحمه : أقرب للصواب ، ويدل لذلك :
حديث : سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رضي الله عنه : " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ قَالَتْ مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ قَالَ: ( أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا ) قَالَتْ بَلَى قَالَ: ( فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا ) رواه أحمد (19214)، والنسائي(4170) ، وصححه الألباني في " غاية المرام " (26).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَقَالَ : ( دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا ) رواه النسائي(4172). وصححه الشيخ الألباني.
ومعلوم أن ما لا يؤكل لحمه ، لا تحله الذكاة .
سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ :
ما هو الضابط في استخدام الجلود سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، وسواء كانت مدبوغة أو غير مدبوغة؟
فأجاب: " أما جلود ما يحل بالذكاة فإنها طاهرة ؛ لأنها صارت طيبة بالذكاة ، كجلود الإبل والبقر والغنم والظباء والأرانب وغيرها، سواء دبغت أم لم تدبغ ، وأما جلود غير المأكول كجلود الكلاب والذئاب والأسود والفيلة وما أشبهها فإنها نجسة ، سواء ذبحت أو ماتت أو قتلت ؛ لأنه وإن ذبحت لا تحل ولا تكون طيبة ، فهي نجسة ، وسواء دبغت أم لم تدبغ على القول الراجح ؛ لأن القول الراجح : أن الجلود النجسة لا تطهر بالدباغ إذا كانت من حيوان لا يحل بالذكاة ، أما جلود ما يموت قبل أن يذكى مما يؤكل لحمه ، فإنها إذا دبغت صارت طاهرة ، وقبل الدبغ هي نجسة ، فصارت الجلود الآن على ثلاثة أقسام:
القسم الأول : طاهر، دبغ أم لم يدبغ ، وهو جلود الحيوان المذكى ، إذا كان يؤكل.
القسم الثاني : جلود لا تطهر لا بعد الدبغ ولا قبل الدبغ ، فهي نجسة ، وهي جلود ما لا يؤكل لحمه .
القسم الثالث : جلود تطهر بعد الدبغ ولا تطهر قبله ، وهي جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت بغير ذكاة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" لقاء رقم(16).
وينظر جواب السؤال رقم : (147632).
ويضاف إلى ذلك : أن القرد من فصيلة السباع وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم – عن استعمال جلودها.
عن المقدام بن معد يكرب , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا ) رواه أبو داود(4131) وصححه الشيخ الألباني.
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفْتَرَشَ )رواه الترمذي(1771) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " برقم (506).
وينظر جواب السؤال رقم : (105419).
ثانياً:
إذا تقرر نجاسة جلود ما لا يؤكل لحمه وجلود السباع بعد الموت ، لم يجز لبسها في الصلاة ولا المسح عليها في الطهارة ولو بعد الدبغ ؛ لأن من شروط الصلاة طهارة والثياب ومن شروط المسح على الخفين طهارتهما.
جاء في "كشاف القناع" (1/116): "يشترط أيضاً ( طهارة عينه ) لأن نجس العين منهي عنه ( فلا يصح ) المسح ( على نجس ولو في ضرورة ) لما تقدم في الحرير..." انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ قوله: " على طاهر ".
هذا هو الشَّرط الثَّاني من شُروطِ صِحَّةِ المسحِ على الخُفَّين ، وهو أن يكونَ الملبوس طاهراً.
والطَّاهر: يُطلَقُ على طاهر العين ، فيخرج به نجس العين.
وقد يُطْلَقُ الطَّاهرُ على ما لم تُصبْه نجاسةٌ ، كما لو قلت : يجب عليك أن تُصلِّيَ بثوبٍ طاهر، أي: لم تُصبْه نجاسةٌ .
والمراد هنا طاهر العين ؛ لأن من الخِفَاف ما هو نجس العين كما لو كان خُفَّا من جلد حمار، ومنه ما هو طاهر العين لكنَّه متنجِّس؛ أي: أصابته نجاسة، كما لو كان الخُفُّ من جلد بعيرٍ مُذكَّى لكن أصابته نجاسة ، فالأوَّل نجاسته نجاسة عينيَّة ؛ والثَّاني نجاسته نجاسة حُكميَّة ، وعلى هذا يجوز المسح على الخُفِّ المتنجِّس ، لكن لا يُصلِّي به ، لأنه يُشترط للصَّلاة اجتناب النَّجاسة .. ووجه اشتراط الطَّهارة : أن المسحَ على نجس العين لا يزيدُه إلا تلويثاً، بل إن اليد إذا باشرت هذا النَّجسَ وهي مبلولةٌ تنجَّست . " انتهى من "الشرح الممتع"(1/228).
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب