السؤال : نود أن نعرف الفرق بين العجب والفخر والخيلاء ، وهل هي أمراض في النفس ، أم تكتسب من المحيط ، والبيئة ، والأسرة ؟ وكيف يمكن للمرء أن يعرف أنها موجودة فيه ؟ وما سبل التخلص منها ؟ وما عقوبتها ؟
الجواب :
العجب : شدة سرور المرء بخصال نفسه .
قال ابن القيم عن العجب " أصله : رؤية نفسه ، وغيبتُه عن شهود مِنَّة ربه وتوفيقه " انتهى من الفوائد ص(152) .
والخيلاء : أن يرى نفسه فوق ما هي عليه ، أو ما تستحقه ، أو يُرِى الناس عظمةَ نفسه .
والفخر : هو التمدح بالخصال وذكر المناقب ، بتفضيل نفسه على غيره .
وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة ، خاصة الفخر والخيلاء ؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها ، فيسلم من أختها .
وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو : الكبر ، وتخيل عظمة نفسه وفضله ، وَإِرَادَة تَعْظِيم الْخلق لَهُ ، وحمدهم له .
ولذلك كثيرا ما نجدها مقترنة مع بعضها ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء : 36 ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ، لقمان : 18 وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) سورة الحديد : 23 . ثانيا :
من الناس من يكون مجبولا على شيء من الصفات السيئة من الخيلاء والعجب والفخر والكبر وغيرها ، فيجاهدها حتى يعافيه الله منها .
ومنهم من يكون معافى منها ، ولكنه لا يزال يسير في طريق اكتسابها ومصادقة أصحابها ، حتى تصير وصفا ملازما له .
ولا يخلو قلبٌ من القلوب من أسقام لو أُهلمت تَراكمت وترادفت ، وجميع الناس يكون فيهم شيء من صفات الخير ، وشيء من صفات الشر ، فمنهم من ينمّي الصفات الحسنة فيه ، ويتخلص من الصفات السيئة حتى يصير كالذهب الصافي ، كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) الشمس/9 .
ومنهم بعكس ذلك ، وقد قال الله تعالى عنهم: ( وقد خاب من دساها ) الشمس /10
وينظر جواب السؤال (101023) .
ثالثا :
عقوبة الكبر والخيلاء والفخر :
الكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه ، وبما أن الفخر والخيلاء كلاهما من شعب الكبر ، فلكل متصف بشيء من ذلك نصيبه من الوعيد الوارد في الكِبر .
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) رواه مسلم ( 2620 ) وأبو داود (4090) واللفظ له .
وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين .
فالذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى ، جزاء ما كان منه من الكبر .
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُحشر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُساقون إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى: بُولَس تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الْخَبَالِ ) رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ( 2025) .
ومما ورد في عقوبة المعجب بنفسه ، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ) رواه البخاري ( 3297 ) ومسلم ( 2088 ) .
رابعا :
طريق معرفة هذه الآفات في النفس وسبل التخلص منها :
عدة طرق ، منها :
- أن يكون له شيخ عالم ، مؤدب مرب ، يدل على عيب نفسه ، ويعينه على التخلي عن رذائل الأخلاق ومساوئها ، والتحلي بمعالي الآداب والأخلاق .
- أن يتنبه إلى عيب نفسه ، من خلال نصح الناصحين ، وإرشاد الإخوان ، والمخالطين والمعاشرين له ، ولا يحمله غضبه لنفسه ، ولا حب الانتصار له على جحد الحق ، وهجر نصيحة الناصح له. وقد كان عمر رضي الله عنه يقول : "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي ".
- أن يقرأ في كتب الأخلاق، ويتعرف منها على صفات المتكبرين والمعجبين بأنفسهم ، ويتعرف على أعمالهم، ويقيس ذلك على نفسه ، فقد يكون فيه بعض تلك الصفات وهو لا يشعر.
- أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه ، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مُشاحن يذكِّرُهُ عيوبَه ، يكون أكثرَ من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ ، يُثني عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه .
- أن يخالط الناس ، فكل ما رآه مذموما من أخلاق الناس وتصرفاتهم ، طالب نفسه باجتناب ذلك. قيل لعيسى عليه السلام : مَن أدَّبك ؟ قال : ما أدبني أحد ، رأيت جهل الجاهل شَينًا، فاجتنبته .
- أن ترى نفسك كالناس ، وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق ، قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات / 13 .
- أن يعلم أن الله عز وجل حقه أكبر مما عمل ، وأنه لو وزن أعماله كلها يوم القيامة ما ساوت نعمة البصر مثلا! فكيف بنعمة الهداية! وكيف بنعمة الإيمان! ويعلم أن الله هو الذي وفقه لهذا العمل ؛ فلماذا العجب ؟
- أن يكثر من دعاء الله تعالى بالهداية والتوفيق للأخلاق الحسنة واجتناب الأخلاق السيئة ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ) رواه مسلم (771) .