مقدار اليوم والجمعة والبكرة والعشية في الجنة
السؤال : قلتم في الفتوى : (205107 ) إن اليوم في الجنة ليس كأيام الدنيا ، لكن نريد تفصيل أكثر، فقد وردت آثار عن السلف أن اليوم في جهنم بألف سنة ، فهل كذلك اليوم في الجنة طويل؟ وإذا لم يكن كذلك فكيف نوفق بين الآثار والأحاديث التي تقول : إن الرجل في الجنة يأكل أو يتنعم مع زوجته 40 سنة أو 70 أو حتى 80 أو لعشرات السنين ، وبين زيارتهم لله كل جمعة ، فهل هناك أيام للجمعة تنقضي في الملذات ولا تحصل فيها زيارة لربهم ؟
الجواب:
الحمد لله
ليس في الجنة ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر، وهم في نور أبدا، إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب ، وإغلاق الأبواب , ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب.
وما جاء من ذكر البكرة والعشية والجمعة ونحوها، فالمراد : قدر وقتها من الدنيا.
قال الله تعالى: ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) مريم/62 .
قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) : أي لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب ، بكرة وعشيا ؛ أي في قدر هذين الوقتين ، إذ لا بكرة ثم ، ولا عشي .
كقوله تعالى: (غدوها شهر ورواحها شهر) : أي قدر شهر، قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما...
وقال العلماء: ليس في الجنة ليل ولا نهار ، وإنما هم في نور أبدا، إنما يعرفون مقدار الليل من النهار ، بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب ، وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج الجوزي والمهدوي وغيرهما" انتهى من "تفسير القرطبي" (11/ 126).
وقال الأمين الشنقيطي رحمه الله : " وقوله في هذه الآية الكريمة: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا)، فيه سؤال معروف، وهو أن يقال: ما وجه ذكر البكرة والعشي، مع أن الجنة ضياء دائم ، ولا ليل فيها ؟
وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة:
الأول: أن المراد بالبكرة والعشي: قدر ذلك من الزمن، كقوله: غدوها شهر ورواحها شهر، أي: قدر شهر، وروي معنى هذا عن ابن عباس، وابن جريج وغيرهما.
الجواب الثاني: أن العرب كانت في زمنها ترى أن من وجد غداء وعشاء ، فذلك الناعم، فنزلت الآية مرغبة لهم ، وإن كان في الجنة أكثر من ذلك، ويروى هذا عن قتادة، والحسن، ويحيى بن أبي كثير.
الجواب الثالث: أن العرب تعبر عن الدوام بالبكرة والعشي، والمساء والصباح، كما يقول الرجل: أنا عند فلان صباحا ومساء، وبكرة وعشيا، يريد الديمومة ، ولا يقصد الوقتين المعلومين.
الجواب الرابع: أن تكون البكرة هي الوقت الذي قبل اشتغالهم بلذاتهم، والعشي: هو الوقت الذي بعد فراغهم من لذاتهم ; لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال، وهذا يرجع معناه إلى الجواب الأول..." انتهى من "أضواء البيان" (3/ 470).
ثانيا:
رؤية المؤمنين لربهم تعالى يوم الجمعة، جاء فيها ما روى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ، وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا).
قال النووي رحمه الله: " ومعنى يأتونها كل جمعة : أي في مقدار كل جمعة ، أي أسبوع ، وليس هناك حقيقة أسبوع ، لفقد الشمس والليل والنهار" انتهى من "شرح مسلم" (17/ 170).
وقال الملا علي القاري بعد نقل كلام النووي: " قلت: وإنما يعرف وقت الليل والنهار بإرخاء أستار الأنوار ورفعها ، على ما ورد في بعض الأخبار، فبهذا يعرف يوم الجمعة وأيام الأعياد، وما يترتب عليهما من الزيارة والرؤية ، وسائر الإمداد والإسعاد" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (9/ 3580).
وقال ابن علان: " (يأتونها كل جمعة) أي: في قدر ذلك: وهل المراد قدر جمعة من جمع الدنيا، أو من جمع الآخرة؟
الأول أبلغ في الإِكرام، ثم رأيت المصنف قال أي: في مقدار كل جمعة أي: أسبوع ، لفقد الشمس والليل والنهار اهـ. وهو موافق لما ذكرته" انتهى من "دليل الفالحين شرح رياض الصالحين" (8/ 470).
ثالثا:
ما جاء في أن الرجل يتكئ المتكأ أربعين سنة ، أو سبعين سنة ، لا يتحول عنه = لم نقف عليه من وجه صحيح .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (7/ 431) : " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا صفوان بن عمرو؛ أنه سمع الهيثم بن مالك الطائي يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه".
وحدثنا أبي، حدثنا هدبة بن خالد، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه الله من الكرامة والنعيم، فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن رآهن قبل ذلك، فيقلن: قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا" انتهى.
وهذا ضعيف مرسل .
ينظر : "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (8/237) ، "المطالب العالية" ، لابن حجر ، وتعليق المحققين (18/661-662) .
وعلى فرض الصحة : فهو من الغيب، وأمور الآخرة لا تقاس على الدنيا، فقد يراد بالسنين مثل سنين الدنيا ، ويكون اليوم أو الأسبوع في الجنة أطول وأعظم، كما يفهم من كلام الملا علي القاري، وقد يكون غير ذلك.
وننصحك بالإقبال على تعلم العلم النافع، وعدم الانشغال بما لا عمل تحته.
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الجنة.
والله وأعلم.
موقع الإسلام سؤال وجواب