هل تصح قصة بيع زوجة أيوب عليه السلام لضفيرتها ؟
السؤال : كنت أناقش أهلي في قضية وصل الشعر ، فإذا بأاخي يقول : إن زوجة سيدنا أيوب باعت ضفائرها (شعرها) ، فكيف ذلك وهو محرم في الشريعة الإسلامية أن يوصل الشعر ، وأن الأولي دفن الشعر ؟ فكان ردي أن الشريعة الإسلامية جاءت ناسخة لما قبلها ، وأن حديث الرسول صل الله عليه وسلم في لعن الوصل هو حديث صحيح ـ ولا خلاف فيه ، فأرجو توضيح الأمر ، وتصحيح إجابتي .
الجواب :
الحمد لله
نقل أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ص /44.
أن أيوب عليه السلام أقسم أن يضرب زوجته بسبب تصرف صدر منها؛ ونقلوا أقوالا حول هذا السبب ؛ ومن ضمن ذلك ؛ أنها باعت ضفيرتها لحاجتهما إلى المال.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " وقوله : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ) : وذلك أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته.
قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز، فأطعمته إياه ، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة ، وقيل: لغير ذلك من الأسباب " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 76).
لكن هذا السبب لم يثبت بنص من الوحي؛ والظاهر أنه مما نقله أهل العلم عن أهل الكتاب.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:
" والتقدير: وقلنا خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث . وهذا إفتاء برخصة !!
وهذا له قصة أخرى ، أشارت إليها الآية إجمالا ؛ ولم يرد في تعيينها أثر صحيح " انتهى من "التحرير والتنوير" (23 / 273).
ثانيا:
قد اختلف أهل العلم في مسألة: هل شرع من قبلنا من الأنبياء، هل هو شرع لنا ؟
لكن ما ينسب إلى زوجة أيوب عليه السلام من بيع ضفيرتها؛ وربما اشترتها من تصل به شعرها؛ فهذا التصرف باتفاق أهل العلم لا يعتبر دليلا في شرعنا على جواز الوصل ، ولا يعتبر من شرع من قبلنا فيكون شرعا لنا.
لأنه – أولا - لم يثبت بسند صحيح أنه من شرع أيوب عليه السلام؛ وعلى فرض ثبوت القصة؛ فأيوب عليه السلام لم يقرّها عليه ، بل غضب منها لما فعلت ذلك ، وحلف ليعاقبنها ، إن شفاه الله !! على ما جاء في الرواية .
فإذا علمنا أنه قد ثبت في شرعنا تحريم الوصل ؛ تبين بوضوح أنه لا معنى لذكر هذه القصة في مقام الوصل ، والاحتجاج على عمله أصلا .
ومما ورد في تحريم الوصل :
عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ ) رواه البخاري (5934) ، ومسلم (2123).
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" وحاصل تحرير المقام في مسألة "شرع من قبلنا"؛ أن لها واسطة وطرفين:
طرف يكون فيه شرعا لنا ، إجماعا: وهو ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، ثم بين لنا في شرعنا أنه شرع لنا، كالقصاص، فإنه ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، في قوله تعالى: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) الآية، وبين لنا في شرعنا أنه مشروع لنا في قوله: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ).
وطرف يكون فيه غير شرع لنا إجماعا، وهو أمران:
أحدهما: ما لم يثبت بشرعنا أصلا أنه كان شرعا لمن قبلنا، كالمتلقَى من الإسرائيليات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن تصديقهم، وتكذيبهم فيها، وما نهانا - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقه لا يكون مشروعا لنا إجماعا.
والثاني : ما ثبت في شرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، وبين لنا في شرعنا أنه غير مشروع لنا ... " انتهى من "أضواء البيان" (2 / 81 - 82).
والله أعلم.
موقع الإسلام سؤال وجواب