حول صحة مقولة لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت ربما سكبت عليه
السؤال : انتشرت في وسائل التواصل هذه المقولة : قال أحد السلف : " لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت ربما سُكبت عليه ، ولو وجدته واقفًا على جبل وقال : أنا ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية " فما مدى صحتها ؟
الجواب
الحمد لله
فإن القولين المذكورين : لم نقف لهما على أصل ، ولا نعلم أحدا من السلف قالهما ، ولا نعلم لهما قائلا معينا من أهل العلم ، لا من السلف ، ولا من الخلف .
وقد ورد في حسن الظن بالمسلمين ، وحمل أقوالهم وأفعالهم على أحسن وجه عدة آثار ، وهي تغني عن تكلف قول لا أصل له ، فضلا عما فيه من مبالغات ظاهرة .
فمن ذلك :
ما أخرجه أبو داود في "الزهد" (83) ، من طريق عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الْمُقْرِئِ ، قَالَ: نا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أنه قال ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ ).
ورجاله ثقات ، غير أن فيه المسعودي وقد اختلط ، والراوي عنه هو عبد الله بن يزيد المقرئ ، وهو مدني ، ولا يعرف أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده .
إلا أن له طريقا آخر صحيح ، أخرجه الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1/304) من طريق هشام بن عمار ، قال حدثنا إبراهيم ابن موسى المكي وكان ثقة ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب قال : وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثمان عشرة كلمة ، حكم كلها .. وذكر منها " وضعْ أمرَ أَخيكَ على أَحسنِهِ حتى يجيئَكَ ما يغلبُكَ " .
وهذا الطريق إسناده صحيح ، رجاله ثقات .
هذا وينبغي أن يعلم أن الأصل في المسلمين حسن الظن ، وتحريم إساءة الظن بهم ، واتهامهم بلا بينة واضحة .
قال الله تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) الحجرات/12.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ) .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (5143) ، ومسلم في "صحيحه" (2563) .
فإن كانت هناك أسباب ظاهرة توجب التهمة ، لم تحرم إساءة الظن حينئذ ، كمن اشتهر بالفسق بين الناس ثم وجدت معه زجاجة خمر مثلا ، بخلاف من لم يعرف عنه ذلك فينبغي حسن الظن فيه حتى يظهر خلاف ذلك .
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (16/331) :" قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَالظَّنُّ هُنَا وَفِي الْآيَةِ هُوَ التُّهْمَةُ.
وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ : إِنَّمَا هُوَ تُهْمَةٌ لَا سَبَبَ لَهَا يُوجِبُهَا ، كَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَدَلِيلُ كَوْنِ الظَّنِّ هُنَا بمعنى التهمة قول تَعَالَى:" وَلا تَجَسَّسُوا" . وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ ابْتِدَاءً ، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَجَسَّسَ خبر ذلك ، ويبحث عنه ، ويتبصر ، ويستمع ليحقق مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ ؛ فَنَهَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَالَّذِي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عَمَّا سِوَاهَا : أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُعْرَفْ لَهُ أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ : كان حراما واجب الاجتناب ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَظْنُونُ بِهِ مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْرَ وَالصَّلَاحَ ، وَأُونِسَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فِي الظَّاهِرِ ، فَظَنُّ الْفَسَادِ بِهِ وَالْخِيَانَةِ مُحَرَّمٌ ، بِخِلَافِ مَنِ اشْتَهَرَهُ النَّاسُ بِتَعَاطِي الرَّيْب ، وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ ". انتهى
ونقل ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/260) عن بعض أهل العلم أنه قال :" نهى عليه السلام أن تحقق على أخيك ظن السوء ، إذا كان الخير غالبًا عليه ". انتهى .
والحاصل :
أن القولين المذكورين : ليس لهما أصل يعرف ؛ إلا أن المسلم مأمور بحسن الظن بأخيه المسلم ، وحمله حاله على أحسن محامله .
والله أعلم .
القولان المذكوران : ليس لهما أصل يعرف ؛ إلا أن المسلم مأمور بحسن الظن بأخيه المسلم ، وحمله حاله على أحسن محامله .
والله أعلم .
موقع الاسلام سؤال وجواب