حول حديث التربة المشهور وفيه :" وخلق المكروه يوم الثلاثاء" ، هل ترك العمل أو تأجيله عن يوم الثلاثاء يعد من التطير
السؤال : قرأت في حديث التربة المشهور قوله ﷺ ( وخلق المكروه يوم الثلاثاء ) بناء على هذا الحديث ماحكم تأجيل شيء ما كسفر أو موعد معين خوفا من إدراك شر في هذا اليوم ؟ وإذا كان هذا من التطير ، فلماذا لما مر ﷺ في طريقه بين جبلين أحدهما اسمه مخز والآخر فاضح عدل عنهما ولم يمر بينهما ؟ أرجو توضيح ذلك لي.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث الذي ذكر منه السائل جملة :" وخلق المكروه يوم الثلاثاء " : أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (2789) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فِي آخِرِ الْخَلْقِ ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وقد سبق بيان اختلاف أهل العلم في الحديث ، في جواب السؤال رقم (218080).
ثانيا :
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" وخلق المكروه يوم الثلاثاء" ، على تقدير صحته مرفوعا : أي جنس ما يكرهه الإنسان.
قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (5/499) :" أي كل ما يكره من دواب السموم والشرور وغيرها ". انتهى
إلا أنه لا يجوز الاستدلال به على جواز تأجيل الأعمال من سفر ونحوه إلى يوم آخر غير يوم الثلاثاء ، بل إن هذا الفعل محرم ، وهو من التطير المنهي عنه .
ومن تطير بأي شيء ، سواء كان طيرا ، أو لونا ، أو يوما ، أو شهرا ، أو مريضا ؛ فمنعه ذلك عن فعل شيء كان يريد فعله = فقد وقع في التطير المحرم .
فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (7045) من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ ، فَقَدْ أَشْرَكَ ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1065) .
ثالثا :
وأما ما أورده السائل في واقعة ترك النبي صلى الله عليه وسلم المرور بين جبلين يقال لأحدهما " مسلح " ، والآخر "مخرئ " ، فإنه – إن ثبتت القصة – لا يدل على جواز ما ذكرت من تأجيل السفر في يوم معين ، الثلاثاء أو غيره ، خشية المكروه فيه ؛ وذلك لما يلي :
الأول: أن هذه الواقعة ليس لها إسناد متصل، وإنما ذكرها ابن إسحاق في "السيرة" دون إسناد .
وقد أخرجها ابن هشام في "السيرة النبوية" (1/614) من طريق ابن إسحاق فقال :" قال ابن إسحاق :" وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَجْسَجَ ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ ، تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارٍ ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا ، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا ، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ ، بَيْنَ النّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ ، ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ . ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدِمَهَا . فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا ؟ فَقَالُوا : يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا ، هَذَا مُسْلِحٌ ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا ، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا ، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا . فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانَ ، فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ ". انتهى
الثاني : أنه قد جاءت الأحاديث الكثيرة في النهي عن الطيرة ، بل وعدها صلى الله عليه وسلم من الشرك ، ومن ذلك :
ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (5707) ، ومسلم في "صحيحه" (2220) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ) .
ومنها ما أخرجه أبو داود في "سننه" (3910) ، وأحمد في "مسنده" (3687) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، ثَلَاثًا ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3098) .
قال النووي في "شرح مسلم" (14/218) :" والتطير التشاؤم ، وَأَصْلُهُ الشَّيْءُ الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ ، وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارحِ ، فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ ، فَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ تَبَرَّكُوا بِهِ وَمَضَوْا فِي سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَتَشَاءَمُوا بِهَا ، فَكَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ ، فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَى عَنْهُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ بنفع ولا ضر ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لاطيرة " .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " الطِّيَرَةُ شِرْكٌ " : أَيِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ ". انتهى
ولا شك أن ترك الفعل لحركة الطيور ، أو غير ذلك كرؤية مريض ونحوه : هو من التطير المحرم ، ويدخل فيه التطير بالأيام والشهور.
وقد كانت العرب تتشاءم بشهر شوال ، وهذا من الطيرة المحرمة ، ولذا ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت :"( تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ ) .
والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (1423) .
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (9/209) :" وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه ، وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال ، وهذا باطل لا أصل له ، وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك ، لما في اسم شوال من الإشالة والرفع ". انتهى
الرابع : أن قصة عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن المرور في هذا الطريق ، على فرض ثبوتها : ليست من التشاؤم والطيرة المحرمة ، وقد أجاب أهل العلم عن ذلك بعدة أجوبة ، بيانها كما يلي :
الجواب الأول : أن ما حدث أمر جِبِلِّي من محبة الاسم الطيب ، وكراهة الاسم القبيح ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع عن طريقه ، وإنما جاوزه إلى غيره ، وهذا لا شيء فيه .
قال السهيلي في "الروض الأنف" (5/70) :" وَذَكَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَرّ بِجَبَلَيْنِ فَسَأَلَ عَلَى اسْمَيْهِمَا ، فَقِيلَ لَهُ أَحَدُهُمَا مُسْلِحٌ وَالْآخَرُ مُخْرِئٌ فَعَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطّيَرَةِ الّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ مِنْ بَابِ كَرَاهِيَةِ الِاسْمِ الْقَبِيحِ ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَكْتُبُ إلَى أُمَرَائِهِ " إذَا أَبَرَدْتُمْ إلَيّ بَرِيدًا فَاجْعَلُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ " . انتهى
الجواب الثاني : أن الأسماء المكروهة قد توافق من أقدار الله ما يتألم لأجله العبد ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يتجاوزه إلى غيره ، حتى لا يحدث شيء ، فيظن بعض الناس أن لذلك علاقة باسم الجبل أو اسم القبيلة ، وعدل عن هذا الطريق حتى لا يتشوش القلب بمثل ذلك .
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/259) :" وَأما استقباله الجبلين فِي طَرِيقه ، وهما مسلح ومخرىء ، وَترك الْمُرُور بَينهمَا ، وعدله ذَات الْيَمين ؛ فَلَيْسَ هَذَا أَيْضا من الطَّيرَة ، وَإِنَّمَا هُوَ من الْعُدُول عَمَّا يُؤْذى النُّفُوس ، ويشوش الْقُلُوب ، إِلَى مَا هُوَ بِخِلَافِهِ ، كالعدول عَن الِاسْم الْقَبِيح وتغييره بِأَحْسَن مِنْهُ ، وَقد تقدم تَقْرِير ذَلِك بِمَا فِيهِ كِفَايَة .
وَأَيْضًا فَإِن الْأَمَاكِن فِيهَا الميمون الْمُبَارك ، والمشئوم المذموم ، فَاطلع رَسُول الله على شُؤْم ذَلِك الْمَكَان ، وَأَنه مَكَان سوء ، فجاوزه إِلَى غَيره ، كَمَا جَاوز الْوَادي الَّذِي نَامُوا فِيهِ عَن الصُّبْح إِلَى غَيره ، وَقَالَ " هَذَا مَكَان حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان " ، والشيطان يحب الْأَمْكِنَة المذمومة وينتابها ، وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ الْمُرُور بَين ذَيْنك الجبلين قد يشوش الْقلب ". انتهى
وقد جاءت عدة أحاديث تقرر هذا المعنى
فقد روى الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/443) حديثا عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ قال: قال لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :لاَ تُسَمِّيَنَّ عَبْدَك أَفْلَحَ وَلاَ رَبَاحًا وَلاَ يَسَارًا ) .
قال أبو جَعْفَرٍ الطحاوي :" فَفِي بَعْضِ هذه الآثَارِ " فَإِنَّك تَقُولُ أَثَمَّ هو؟ فَلاَ يَكُونُ ، فَيُقَالُ : لاَ " ، فَفِي ذلك ما قد دَلَّ على أَنَّ النَّهْيَ عن هذه الأَسْمَاءِ إنَّمَا كان خَوْفَ الطِّيَرَةَ بها ". انتهى
ومنها ما أخرجه أبو داود في "سننه" (3920) من حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ ، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا : رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (762) .
قال ابن الملك في "شرح المصابيح" (5/122) في شرحه لهذا الحديث :" فالسنَّةُ أن يختارَ الإنسانُ لولدهِ وخادمهِ الأسماءَ الحسنةَ ، فإنَّ الأسماءَ المكروهةَ قد تُوافِقُ القَدَر ، مثلاً لو سَمَّى أحد ابنه بِـ ( خَسَارٍ) فربما جرى قضاءُ الله بأنْ يَلْحَقَ بذلك المسمَّى به خَسَار ، فيعتقِدُ بعضُ النَّاس أن ذلك بسببِ اسمه فيتشاءمون به ، ويحتَرِزون عن مجالسته ومواصَلَتِه ". انتهى
ومنها ما أخرجه أبو داود في "سننه" (3924) من حديث أنس بنِ مالكٍ ، قال:" قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ ، إنَّا كُنَّا في دارٍ ، كثيرٌ فيها عَدَدُنا ، وكثيرُ فيها أموالُنا ، فتحوَّلنا إلى دارٍ أخرى ، فقلَّ فيها عَدَدُنَا ، وقَلَّت فيها أموالُنا ، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - ( ذَرُوها ذَمِيمَةً ) .
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (790) .
قال الخطابي في "معالم السنن" (4/237) :" قد يحتمل أن يكون إنما أمرهم بتركها والتحول عنها: إبطالاً لما وقع في نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها ، فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم ، وزال ما كان خامرهم من الشبهة فيها . والله أعلم ". انتهى
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/437) :" وليس في قوله عليه السلام: ( دعوها ذميمة ) أمر منه بالتطير ، وكيف وقد قال: لا طيرة؟ وإنما أمرهم بالتحول عنها لما قد جعل الله في غرائز الناس من استثقال ما نالهم فيه الشر ، وإن كان لا سبب له في ذلك ، وحب من جرى لهم الخير على يديه وإن لم يردهم به ، وكان النبي عليه السلام يستحب الاسم الحسن والفأل الصالح ، وقد جعل الله في فطرة الناس محبة الكلمة الطيبة والفأل الصالح والأنس به ، كما جعل فيهم الارتياح للبشرى والمنظر الأنيق .
وقد يمر الرجل بالماء الصافي فيعجبه وهو لا يشربه ، وبالروضة المنورة فتسره ، وهي لا تنفعه ، وفى بعض الحديث ( أن الرسول عليه السلام كان يعجبه الأترج ، ويعجبه الفاغية ، وهي نور الحناء ) .
وهذا مثل إعجابه بالاسم الحسن والفأل الحسن ، وعلى حسب هذا كانت كراهيته الاسم القبيح كبني النار وبني حزن وشبهه ". انتهى
رابعا :
أنه لا يلزم من كون أن الله تعالى خلق المكروه يوم الثلاثاء ، أن يقع المكروه في هذا اليوم
قال محمد بن خلفة الأُبي في "إكمال إكمال المعلم" (7/193) :" المراد بالمكروه المؤلم ، ولا يلزم من خلقه فيه : اختصاص وقوعه به ". انتهى .
وهذا أمر مجرب معروف ، فما زال المحبوب والمكروه ، يقع للناس في كل يوم من أيامهم ، لا اختصاص لشيء من ذلك بيوم ، دون يوم ؛ ففي كل يوم من أيام الله : خفض ، ورفع ، وعطاء ومنع ، وحياة وموت ؛ فسبحان من بيده ملكوت كل شيء ، ومن يدبر الأمر كله ، كل يوم هو في شأن ؛ قال أبو الدرداء : «يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ» !!
وقد حدثت أمور عظيمة في يوم الثلاثاء ، ومنها ما يلي :
بويع أبو بكر الصديق بالخلافة يوم الثلاثاء .
قال خليفة بن خياط في "تاريخه" (ص100) :" وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة بُويِعَ أَبُو بَكْر بيعَة الْعَامَّة يَوْم الثُّلَاثَاء من غَد وَفَاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى
وبويع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخلافة يوم الثلاثاء .
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/31) في حوادث سنة ثلاث عشرة من الهجرة قال :" وَفِيهَا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ".
وفتحت عمورية يوم الثلاثاء .
قال خليفة بن خياط في "تاريخه" (ص477) :" وَسَار أَمِير الْمُؤمنِينَ فَنزل عَلَى عمورية ووافاه الأفشين فافتتحها أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنوة يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث عشرَة بقيت من شهر رَمَضَان ". انتهى
ووقوع هذه الحوادث المباركة لا يدل على فضل يوم الثلاثاء ، كما أن خلق الله للمكروه يوم الثلاثاء لا يدل على ترك العمل فيه ، فلا علاقة له بأقدار الله عز وجل فعلا أو تركا .
وختاما :
فإن التطير منهي عنه ، ولا علاقة للمخلوقات والأيام بأقدار الله عز وجل ، فعلى العبد أن يجعل تعلقه بالله وحده ، ويتوكل عليه فهو حسبه جل في علاه .
والله أعلم
التطير منهي عنه ، ولا علاقة للمخلوقات والأيام بأقدار الله عز وجل ، فعلى العبد أن يجعل تعلقه بالله وحده ، ويتوكل عليه فهو حسبه جل في علاه .
موقع الإسلام سؤال وجواب