الرجل سيد أهله ، والمرأة سيدة بيتها
السؤال:
أشكل علي حديث : ( كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها ) ، فهل هذا يعني أن الرجل سيد أهله خارج البيت وفي البيت تكون المرأة هي السيدة ؟ وهل سيادتها في البيت تكون حتى على الرجل ؟ وهل يتعارض هذا مع القوامة ؟ هل للقوامة ضوابط ؟ النصراني الذي يخاطبني بلفظ السيد ، هل يمكن أن أخاطبه بنفس اللفظ كأن أقول * السيد خوان * ويكون قصدي أنه سيد في بيته أو قومه أو عمله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (388) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا ) وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (2041) على شرط مسلم .
والرجل سيد أهله داخل البيت وخارجه ، فله القوامة والولاية على البيت وأهله حاضرا وغائبا ، مسافرا ومقيما ، صحيحا ومريضا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى : ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : النِّكَاحُ رِقٌّ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ [ يعني : أسيرات ] ) فَالْمَرْأَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا تُشْبِهُ الرَّقِيقَ وَالْأَسِيرَ ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ أَمَرَهَا أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ غَيْرُ أَبَوَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/ 263) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" الرَّجُلُ قَيّم عَلَى الْمَرْأَةِ ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعوجَّت " انتهى من
" تفسير ابن كثير " (2/292) .
أما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا ) فهذه سيادة نسبية ، فهي سيدة على أولادها ، وعلى خدمها ، فلها السمع والطاعة عليهم ، وليس لهم مخالفتها ، ما لم تأمر بمعصية الله .
يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث : ( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ ) فهذه سيادة نسبية ، ولو لم يكن للرجل من يسوده ، فهو سيد نفسه وجوارحه ومسئول عن ذلك ، كما قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/ 36 .
قال المناوي رحمه الله :
" ( كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أَهله ) أَي : عِيَاله من زَوْجَة وَولد وخادم ... وَمن لَا أهل لَهُ وَلَا زوج سيدٌ على جوارحه " انتهى من " فيض القدير " (5/47) .
وهذه السيادة هي مسئولية ، يسأل عنها الإنسان يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (7138) ، ومسلم ( 1829 ) .
وهذه السيادة هي سيادة مقيدة ببعض الأشخاص ، أم السيادة المطلقة التي تكون على عموم المخلوقات فهي لله تعالى وحده .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يستحق أحد أن يوصف بالسيادة المطلقة إلا الله - عز وجل - فالله تعالى هو السيد الكامل السؤدد ، أما غيره فيوصف بسيادة مقيدة مثل سيد ولد آدم ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسيادة قد تكون بالنسب ، وقد تكون بالعلم ، وقد تكون بالكرم، وقد تكون بالشجاعة ، وقد تكون بالملك ، كسيد المملوك ، وقد تكون بغير ذلك من الأمور التي يكون بها الإنسان سيدا ، وقد يقال للزوج : سيد بالنسبة لزوجته ، كما في قوله تعالى : ( وألفيا سيدها لدى الباب ) " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (3/109) .
ثانيا :
القوامة من الأمور التي خص الله بها الرجل دون المرأة ، والمقصود بها أن الزوج أمين على زوجته ، يتولى أمرها ، ويقوم عليها آمراً ناهياً كما يقوم الوالي على رعيته ، وليس للمرأة قوامة على الرجل ، ولو كانت هي التي تنفق عليه ، وانظر إجابة السؤال رقم : (930) .
وسيادة المرأة في بيتها لا تتعارض مع قوامة زوجها ، لأنها – كما سبق- إنما تسود أولادها وخادمتها فهي سيادة مقيدة ببعض أمور البيت ، أما سيادة البيت على سبيل العموم فهي للزوج .
ثالثا :
لم يجعل الشارع القوامة بيد الرجل بصورة مطلقة ، بحيث يفعل الرجل بزوجته ما يشاء ، وفق رغباته وهواه ، وإنما قيد هذه القوامة بضوابط وقيود ، فمن هذه الضوابط :
- وجوب أداء الزوج لواجباته تجاه زوجته ، من المهر والنفقة والكسوة والسكنى .
- وجوب معاملة الزوج لزوجته بالمعروف ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 .
- أمرها بطاعة الله ، ونهيها عن معصية الله .
- تأديبها إذا نشزت كما أمر الله تعالى ، ولا يتعدى حدود الله معها ، فلا يقبح الوجه ولا يضرب فيؤذي ، ولا يهجر إلا في البيت .
- ألا يستخدم قوامته عليها فيذلها ويقهرها ، ويسفه رأيها ، ويتعرض لأهلها بالسوء بالفعال أو المقال ، ويؤذيها أمام أولادها ، فيسبها ويضربها أمامهم .
فهذه القوامة هي ولاية من الولايات الشرعية للرجل على أهل بيته ، فتقيد بما تقيد به الولايات ، من وجوب إصلاح من تحت ولايته والإحسان إليهم والرفق بهم وأداء حقوقهم ، والعمل على مصلحتهم .... إلخ .
رابعا :
لا تجوز مخاطبة الكفار والمنافقين مخاطبة إجلال وإعظام ، كأن يقال لأحدهم : " السيد فلان " أو " سيدنا " أو " سيدي " ونحو ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه أبو داود ( 4977 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
ولكن إذا كان الشخص قريباً من الإسلام ، فلا بأس بتأليفه على الإسلام ، ويتسامح في حقه في هذا وغيره ما لا يتسامح في حق من سواه ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (131191).
فلا يجوز مخاطبة الكافر بلفظ : (السيد) ولو كان قصدك أنه سيد في بيته أو قومه ، ولكن لا بأس أن تذكر ذلك مقيدا بمن له السيادة عليهم ، كما لو قلت : فلان سيد قومه ، أو : كبير قومه ونحو ذلك ، ولذلك لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب إلى هرقل ملك الروم قال فيه : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ) رواه البخاري (6) .
فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : (هرقل العظيم) وإنما أضاف ذلك إلى قومه ، وهي إضافة صادقة ، لأن هرقل – فعلا – هو عظيم قومه ، وإن كانت عظمة هرقل لا قيمة لها عند المسلم ، لأنه لا عظمة إلا لمن يؤمن بالله ويطيعه .
قال ابن حجر رحمه الله : " قَوْله صلى الله عليه وسلم ( عَظِيم الرُّوم ) فِيهِ عُدُول عَنْ ذِكْره بِالْمُلْكِ أَوْ الْإِمْرَة ; لِأَنَّهُ مَعْزُول بِحُكْمِ الْإِسْلَام , لَكِنَّهُ لَمْ يُخْلِهِ مِنْ إِكْرَام لِمَصْلَحَةِ التَّأَلُّف" انتهى من " فتح الباري " (1/38) .
فيؤخذ من هذا : أنه لا حرج من نداء الكافر بمسماه الوظيفي كــ " عميد الكلية " أو " مدير المستشفى " ونحو ذلك .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب