متى وجد الكائن البشري ؟ ومتى عاش نوح وهود عليهما السلام ؟
السؤال:
منذ متى وجد الكائن البشري ، وفقاً للرؤية الإسلامية ؟ ومتى عاش نوح وهود عليهما السلام ؟ وهل هناك طريقة يمكن من خلالها تحديد عدد السنوات منذ عاشوا إلى الآن وببراهين صحيحة ؟
تم النشر بتاريخ: 2015-03-16
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
تاريخ بداية وجود الإنسان على هذه الأرض وكذا تاريخ الرسل والأنبياء وأقوامهم ، هو من علم الغيب ، كما وصف الله تعالى ذلك بعد ذكره لقصة مريم في سورة آل عمران ، حيث قال الله تعالى ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) آل عمران / 44 .
وقال الله تعالى بعد ذكره لقصة نوح في سورة هود : ( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) هود /48 – 49 .
وقال الله تعالى بعد ذكره لقصة يوسف في سورة يوسف ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) يوسف/ 102 .
فهذه التواريخ والأحداث من علم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولا نعلم منه إلا ما أخبرنا به الوحي .
قال الله تعالى ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) النمل/ 65 .
وقال الله تعالى ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) هود / 123 .
وقال الله تعالى : [ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن / 26 – 27 .
فالحاصل أن تاريخ الرسل والأنبياء من علم الغيب الذي لا نعلم عنه شيئاً إلا عن طريق الوحي من كتاب أو سنة ، ولم يأت فيهما بيان تاريخ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض ولا تاريخ نوح وهود عليهما السلام .
ثانياً :
فإن سألت ؛ ألا توجد طريقة لحساب ذلك ومعرفة هذه التواريخ ؟
فالجواب : أن هذا غير ممكن أبداً لأمرين :
الأمر الأول : أن أخبار الرسل والأمم الذين أخبرنا بهم الوحي ، رغم أن أهل العلم استطاعوا بالتقريب أن يرتبوا بينهم من حيث الزمن من خلال جمع النصوص إلى بعضها البعض وتحليلها ، إلا أن مدة بقاء كل أمة على هذه الأرض ، وكم كان بين كل رسول وآخر ، هذا كله أمر مجهول في الأغلب ، لا طريق لنا إلى معرفته بحساب ، ولم يأتنا به خبر ، كما سبق .
الأمر الثاني : أن هناك حقباً تاريخية مجهولة لا نعلمها ، ولا نعلم من عاش فيها ولا مدتها الزمنية .
فمثلاً المدة بين آدم ونوح عليهما السلام لا نستطيع القطع بمقدارها ، ولا نعلم شيئاً عن حالها ، وحال أهلها ، وقد ورد أن هذه المدة كانت عشرة قرون ، ولكن هذا ليس نصًّا في تحديدها ، لما سيأتي .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" روى الحافظ أبو حاتم بن حبان في " صحيحه " : عن أبي أمامة رضي الله عنه ( أن رجلاً قال : يا رسول الله ، أنبي كان آدم ؟ قال : نعم ، مُكَلَّم . قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون ) . قلتُ ( ابن كثير ) : وهذا على شرط مسلم ، ولم يخرجه ... وعن ابن عباس قال : " كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام " .
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ، كما هو المتبادر عند كثير من الناس ، فبينهما ألف سنة لا محالة ، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام ؛ إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام ، لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون ، وزادنا ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الإسلام . وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ ، وغيرهم من أهل الكتاب ، أن قابيل وبنيه عبدوا النار ، والله أعلم .
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس ، كما في قوله تعالى : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ) الإسراء / 17 . وقوله : ( ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) المؤمنون / 31 ... وكقوله عليه السلام ( خير القرون قرني ... ) الحديث ، فقد كان الجيل قبل نوح يُعمَّرون الدهور الطويلة ، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين ، والله أعلم " .
انتهى من " البداية والنهاية " ( 1 / 237 – 238 ) .
وكذلك المدة بعد قوم نوح وعاد وثمود ، وقبل إبراهيم عليه السلام ، هي فترة طويلة بنص القرآن ، لكننا لا نعلم عنها .
قال الله تعالى : [ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ، وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ) الفرقان / 37 – 39 .
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" أي : أهلكنا قوم نوح بالغرق ، وأهلكنا عاداً وثمود وأصحاب الرس ، وقروناً بين ذلك كثيراً ؛ أي : وأهلكنا قروناً كثيرة بين ذلك المذكور من قوم نوح وعاد وثمود .
والأظهر أن القرون الكثير المذكور : بعد قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقبل أصحاب الرس ، وقد دلت آية من سورة " إبراهيم " على أن بعد عاد ، وثمود خلقاً كفروا وكذبوا الرسل ، وأنهم لا يعلمهم إلا الله جلّ وعلا .
وتصريحه بأنهم بعد عاد وثمود يوضح ما ذكرنا ، وذلك في قوله تعالى: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) إبراهيم / 9 " انتهى من " أضواء البيان " ( 6 / 359 ) .
ثم أصحاب الرس هؤلاء لا يُعلم متى عاشوا ، ولا كم كانت مدتهم .
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" وأما أصحاب الرس فلم يأت في القرآن تفصيل قصتهم ولا اسم نبيهم . وللمفسرين فيهم أقوال كثيرة تركناها ؛ لأنها لا دليل على شيء منها " انتهى من " أضواء البيان " (6 / 360) .
وقد أخبرنا القرآن بأن هناك رسلاً عاشوا ولم يخبرنا عنهم بشيء .
قال الله تعالى : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء / 164 .
وقال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر / 78 .
فإذا كان الأمر كذلك فإنه يستحيل الحساب مع وجود هذه الحقب التاريخية الكثيرة المجهولة .
قال ابن حزم رحمه الله تعالى :
" وأما اختلاف النّاس في التّاريخ ، فإن اليهود يقولون : للدنيا أربعة آلاف سنة . والنّصارى يقولون : للدنيا خمسة آلاف سنة ، وأمّا نحن فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا . ومن ادّعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كذب ، وقال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح ، بل صحّ عنه عليه السّلام خلافه ، بل نقطع على أنّ للدنيا أمداً لا يعلمه إلّا الله عز وجل ، قال الله تَعَالَى ( مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا أَنْتُم فِي الْأُمَم قبلكُمْ إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود ، أَو كالشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض ) هذا عنه عليه السّلام ثابت ، وهو عليه السّلام لا يقول إلّا عين الحق ، ولا يسامح بشيء من الباطل لا بإعياء ولا بغيره ، فهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار أعداد أهل الإسلام ، ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر ، علم أن للدنيا عدداً لا يحصيه إلّا الله تعالى ... – ثم قال ابن حزم - إلّا أَن لكل ذلك أولاً ومبدأ ولا بُدّ من نهاية ، لم يكن شيء من العالم موجوداً قبلها ، وللّه الأمر من قبل ومن بعد " انتهى من " الفصل في الملل والأهواء والنِحَل " ( 2 / 257 - 258 ) .
ثالثاً :
فإن سألتَ ؛ ألا يمكن الاستعانة بالبحوث الأثرية واكتشافاتها لنعرف منها زمن بداية وجود الإنسان على هذه الأرض ؟
فالجواب :
هذه البحوث الأثرية ؛ وإن كانت تعتمد على تقنيات تستطيع تحديد عمر المكتشفات الأثرية إلا أنه تبقى هناك عقبات :
العقبة الأولى : هذه التقنيات لا تستطيع أن تعطي زمن المكتشفات الموغلة في القدم بالدقة المطلوبة ، وكلما كان الأثر أكثر قِدماً ، زادت نسبة الخطأ وصعب معرفة تاريخها .
العقبة الثانية : أن عملية الجمع بين هذه المكتشفات وتحليلها والمنهج المتبع للوصول إلى النتائج المرجوة منها ، هي كلها اجتهادات بشرية قابلة للخطأ والصواب ، ومعرضة لدخول الأهواء والاعتقادات فيها والتلاعب بنتائجها ، ولا يمكن لأحد من أصحاب هذه المناهج أن يزعم أن ما توصل إليه من نتائج هي حقائق علمية مطلقة ، قامت عليها البراهين التي يجب على الجميع التسليم بها .
العقبة الثالثة : أن ما توصلوا إليه من نظريات معرضة للتغيير أو للبطلان مع كل اكتشاف جديد ، والإنسان لم يحط علماً بكل ما في باطن الأرض من آثار .
والذي على المسلم أن يعتقده هو ما دلت عليه النصوص الشرعية ؛ أن لهذا الإنسان بداية على هذه الأرض ، وأن الله خالقه بعد أن كان عدماً ، وأن بداية هذا النوع الإنساني : هو آدم عليه السلام ، أبو البشرية . وأما زمن وجوده فهو من علم الغيب الذي لا ندركه ، ومن جزم بشيء من ذلك فهو رجم بالغيب وقول بلا علم .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب