حول العلم الذي يهتم بدراسة ما يتعلق بالحديث النبوي الشريف
السؤال : أريد أن أدرس علم يبحث فيه كيف تم تصحيح الأحاديث الشريفة وكيف تم روايتها وشرح معانيها وماشابه بماذا تنصحوني وماهي اختصاصات علوم الحديث الشريف وجزاكم الله خيرا ؟
تم النشر بتاريخ: 2018-06-20
الجواب :
الحمد لله
فإن الله تعالى يقول :[ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ] التغابن/12.
ومعلوم أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي الاستجابة لأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، مما ثبت عنه في السنة الصحيحة .
وقد اهتم علماء الإسلام بضبط ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمييز الصحيح منه من الضعيف ، والمقبول من المردود ، وكذلك اهتموا بضبط ألفاظ الحديث ، ومعانيه التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم .
ولأجل ذلك نشأ علم الحديث ، والذي يعد من مفاخر المسلمين ، فإنه لا تعرف أمة قط حفظت ما جاء عن نبيها نقلا ، وضبطا ، وفهما ، مثل ما عرف عن هذه الأمة .
ومن ذلك نجيب على سؤال الأخ الكريم ، فنقول :
أولا : الحديث هو : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو وصف خِلْقِيٍّ ، أو خُلُقِيٍّ .
قال الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (1/10) :" والحديث لغة ضد القديم ، واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا له ، أو فعلا ، أو تقريرا ، أو صفة ، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام ". انتهى
إذا المقصود بالحديث : كل ما نقله الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان من قوله ، أو من فعله ، أو وصفا خَلقيا ، أو خُلقيا له صلى الله عليه وسلم ، أو إقرارا منه لقول أو فعل غيره عليه الصلاة والسلام .
ثانيا : أنشأ علماء الإسلام علما عظيما وهو " علم الحديث " ، ومقصد هذا العلم هو البحث في كل ما يتعلق بالحديث النبوي ، سواء من جهة النقل ومدى ثبوت ذلك عنه ، أو من جهة المنقول وما يتعلق به ضبطا ومعنى وفهما واستنباطا .
لأجل ذلك انقسم علم الحديث إلى قسمين :
علم الحديث رواية ، وعلم الحديث دراية .
أما " علم الحديث رواية " : فهو ما يعرف بعلم " أصول الحديث " ، وهو علم يبحث فيما يتعلق بثبوت المنقول ، وأحوال الرواة ، وما يتعلق به من مباحث .
وأما " علم الحديث دراية " : فهو يبحث في معنى المنقول ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .
قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/635) :" العلم برواية الحديث: وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول عليه الصلاة والسلام ، من حيث أحوال رواتها ضبطاً وعدالة ، ومن حيث كيفية السند اتصالا وانقطاعاً، وغير ذلك.
وقد اشتهر بأصول الحديث كما سبق.
وإلى العلم بدراية الحديث ، وهو علم باحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث ، وعن المراد منها مبنياً على قواعد العربية ، وضوابط الشريعة ، ومطابقاً لأحوال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ". انتهى
ثم انقسم كل فرع من فرعي علم الحديث إلى فروع ومباحث ، حتى ما تركوا شاردة ولا واردة سواء فيما يتعلق بجهة ثبوت المنقول ، أو معنى المنقول ، إلا وقد أفردوها بالبحث .
حتى جاء أبو عمرو بن الصلاح فصنف كتابه الشهير "علوم الحديث" فعدَ في كتابه ( 70 ) علما من علوم الحديث .
ثالثا : أذا أردت أخي الكريم أن تدرس وتعرف كل ما يتعلق بالحديث النبوي الشريف ، فلابد لك من سلوك طريقين :
الطريق الأول : ما يتعلق بعلم الحديث رواية ، أي ما يتعلق بجهة النقل من ناحية الثبوت ، والتصحيح والتضعيف ، فلابد من دراسة ثلاثة علوم :
علم مصطلح الحديث ، وعلم الجرح والتعديل ، وعلم علل الحديث .
ولكل علم منها سُلم للتعلم ، ومنهجية للوصول إلى المقصود .
ويمكنك مراجعة كتاب "حلية طالب العلم" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله ، وشرحه للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
ولابد أن يكون ذلك على يد عالم متقن ، أو طالب علم متمكن ؛ مع التطبيق العملي للقواعد الحديثية التي يتم دراستها ، ثم عرضها على العالم أو الشيخ الذي تتلقى العلم على يديه .
قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/147) :" مُطَالَعَةُ كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ وَمُدَوِّنِي الدَّوَاوِينَ ، وَهُوَ أَيْضًا نَافِعٌ فِي بَابِهِ ؛ بِشَرْطَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ ، وَمَعْرِفَةِ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِهِ ؛ مَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ النَّظَرُ فِي الكتب ، وذلك يحصل بالطريق الأول ، ومن مُشَافَهَةِ الْعُلَمَاءِ ، أَوْ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: " كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْكُتُبِ ، وَمَفَاتِحُهُ بِأَيْدِي الرِّجَالِ "، وَالْكُتُبُ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ الطَّالِبَ مِنْهَا شَيْئًا ، دُونَ فَتْحِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ مُعْتَادٌ.
وَالشَّرْطُ الْآخَرُ: أَنْ يَتَحَرَّى كُتُبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُرَادِ ؛ فَإِنَّهُمْ أَقْعَدُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ". انتهى .
وهذا كله إذا أردت أن تسلك سبيل طلب العلم ، والتحقق في هذا العلم .
وأما إن لم تكن متخصصا فيه ، ولم يكن من همتك الاشتغال بطلبه ، لانشغالك بما سوى ذلك من العلوم ، أو المهن ، أو عدم تيسر ذلك ، وإنما تريد فكرة عامة ، تثقيفية فيه ، فيمكنك الاكتفاء بشيء من المختصرات الميسرة في هذا الباب مثل : "تيسير مصطلح الحديث" ، للشيخ محمود الطحان ، أو المنظومة البيقونية ، مع شيء من شروحها .
وهذا أيضا باب من الفائدة ، ولا بأس به ، وكل ميسر لما خلق له .
الطريق الثاني : وهو دراسة " علم الحديث دراية" ، حيث يبحث فيما يتعلق بمعنى الحديث ، ومفهومه ، وما يستنبط منه من أحكام وفوائد .
وهذا هو الغاية من العلم الأول ، فالعلم الأول سبيل إليه ، فبعد التأكد من صحة المنقول ، يأتي الدور على معرفة المراد منه .
وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه" (3660) ، عن زيد بن ثابت ، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول ( نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (90) .
ولا يمكن فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهما صحيحا إلا بدراسة علمين رئيسين :
علم اللغة ، وعلم أصول الفقه .
وهذا أيضا يحتاج إلى منهجية صحيحة في التلقي ، مع الأخذ عن أهل العلم المتقنين .
ومما ييسر عليك الطريق في طلب العلم الالتحاق بمعهد أو أكاديمية منضبطة في تلقي العلوم الشرعية ، ويمكنك أن تلتحق بأكاديمية زاد ، ففيها خير كثير إن شاء الله .
ونقول هنا ما قلناه سابقا : إذا لم يكن متاحا لك التوسع في طلب هذا العلم ، والانتقال من مرحلة إلى أخرى ، فيكفيك أن تبدأ بالمهم اللازم منه ؛ فتحفظ الأربعين النووية ، مع شيء من شروحها الكثيرة المتاحة ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ، أو شرح الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله .
ثم عليك بشرح رياض الصالحين ، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
ثم "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله .
رزقنا الله وإياكم والمسلمين العلم النافع ، والعمل الصالح ، آمين .
موقع الإسلام سؤال وجواب