لماذا لم يدع النبي عليه الصلاة والسلام بهداية جميع من في عصره
السؤال : نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان مجاب الدعاء دائماً ، ونعلم أن النبي قد دعا الله بأن يعزّ الإسلام بأحد العمرين ، وبسبب ذلك هُدي عمرٌ للإسلام ، لماذا لم يدعو النبي بطريقةٍ مماثلةٍ لهداية عمه أبي طالب عندما كان على فراش الموت ؟ وبالإضافة إلى ذلك ألم يستطع النبي أن يدعو لهداية كل من كان في عصره والذين جاؤوا من بعده ؟
الجواب :
الحمد لله
لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية لقومه ولأقوام آخرين، فاستجاب الله له، وعزم على الاستغفار لعمه، فنهاه الله عن ذلك، كما روى البخاري (3477) عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود قال: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) ". والنبي هو نفسه صلى الله عليه وسلم ، أو نبي من بني إسرائيل.
وروى البخاري (2937) ، ومسلم (2524) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: " قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ) ". وقد استجاب الله له.
وأما عمه ، فقد دعاه إلى الإسلام واجتهد في ذلك حتى في ساعة الوفاة ، فلم يؤمن ، فعزم على أن يستغفر له، فنهاه الله عن ذلك، كما روى البخاري (3884) ، ومسلم (24) سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ )، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ : هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ )، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ".
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي دعوة مستجابة، وأنه ادخر دعوته لأمته يوم القيامة.
روى البخاري (6304) ، ومسلم (198) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ).
ولابد هنا من بيان أمور:
الأول: أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يستجاب كله ، كما فهم من الحديث السابق، وكما جاء مصرحا به فيما رواه مسلم (2890) عن سعد رضي الله عنه عن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا).
الثاني: أن الله تعالى أخبر نبيه أنه لم يشأ هداية الناس جميعا فقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس/99، وقال: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) الأنعام/149 .
وقال: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) السجدة/13 .
وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يمكن أن يفسر به كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بهداية كل من كان في عصره أو بعده ؛ لأن الله تعالى أخبره أن ذلك لا يكون إلا أن يُكرههم على الإيمان، وليس له ذلك.
الثالث: أن الأمر كله بيد الله تعالى، وأنه يلهم نبيه ويوفقه للدعاء الذي يوافق ما قدره سبحانه وقضاه، فلا ينبغي أن يقال: لِمَ لَمْ يدع بكذا أو كذا؟ بل إذا دعا النبي بما يخالف ما قدره الله، منعه منه، كما روى مسلم (675) عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: (اللهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ)، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)آل عمران/128 .
والذي ينبغي أن ننشغل به هو تحقيق العبودية لله ، ولزوم الصراط المستقيم ، لنكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، كما قال الله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء/69 .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
موقع الإسلام سؤال وجواب