السؤال
سمعت أحد المشايخ يذكر أنّه عندما كانت أم النبي صلى الله عليه وسلم في المخاض جاءت آسية امرأة فرعون ، ومريم أم عيسى عليه السلام ، وسارة وهاجر زوجات النبي إبراهيم عليه السلام ؛ لتساعدها في الولادة ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوجهن الأربعة في الجنة ، فما صحة ذلك ؟ فحسب علمي فزوجات إبراهيم عليه السلام في مقام أمهات المؤمنين بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأخص هاجر والتي هي أم اسماعيل عليه السلام جد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يجوز للمرء أن يتزوج جدته ؟ أرجو توضيح المسألة .
نص الجواب
الحمد لله
أولا :
قال أبو نعيم الحافظ رحمه الله في " دلائل النبوة " (555):
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَم َ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " فَكَانَ مِنْ دَلَالَاتِ حَمْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ نَطَقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقَالَتْ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ أَمَانُ الدُّنْيَا وَسِرَاجُ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَبْقَ كَاهِنَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا ، وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَة ِ، وَلَمْ يَكُنْ سَرِيرُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوسًا ، وَالْمَلِكُ مُخْرَسًا لَا يَنْطِقُ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَمَرَّتْ وُحُوشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وُحُوشِ الْمَغْرِبِ بِالْبُشَارَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْبِحَارِ ، يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِهِ ، نِدَاءٌ فِي الْأَرْضِ وَنِدَاءٌ فِي السَّمَاءِ: أَنْ أَبْشِرُوا؛ فَقَدْ آنَ لِأَبِي الْقَاسِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ مَيْمُونًا مُبَارَكًا .
فَكَانَتْ أُمُّهُ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: أَتَانِي آتٍ حِينَ مَرَّ بِي مِنْ حَمْلِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَكَزَنِي بِرِجْلِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: يَا آمِنَةُ إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْعَالَمِينَ طُرًّا، فَإِذَا وَلَدْتِيهِ ، فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَاكْتُمِي شَأْنَكِ .
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: لَقَدْ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ ، ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَ ى، وَإِنِّي لَوَحِيدَةٌ فِي الْمَنْزِلِ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي طَوَافِهِ ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ وَجْبَةً شَدِيدَةً ، وَأَمْرًا عَظِيمًا، فَهَالَنِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ .
فَرَأَيْتُ كَأَنَّ جَنَاحَ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِي ، فَذَهَبَ عَنِّي كُلُّ رُعْبٍ ، وَكُلُّ فَزَعٍ وَوَجَعٍ كُنْتُ أَجِدُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتُّ ، فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ ، وَظَنَنْتُهَا لَبَنًا ، وَكُنْتُ عَطْشَى ، فَتَنَاوَلْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَأَضَاءَ مِنِّي نُورٌ عَالٍ .
ثُمَّ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ ، كَأَنَّهُنَّ بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُحَدِقْنَ بِي ، فَبَيْنَا أَنَا أَعْجَبُ وَأَقُولُ: وَاغَوْثَاهْ ، مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ بِي هَؤُلَاءِ؟ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ ، وَأَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمَ وَأَهْوَل َ، فَإِذَا أَنَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ مُدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: خُذُوهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ .
قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ وَقَفُوا فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ فِضَّةٍ ، وَأَنَا يَرْشَحُ مِنِّي عَرَقٌ كَالْجُمَانِ ، أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِّي نَاءٍ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُ قِطْعَةً مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ حَيْثُ لَا أَشْعُرُ، حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِي، مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ ، وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ ، فَكَشَفَ لِي عَنْ بَصَرِي، فَأَبْصَرْتُ سَاعَتِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا , وَرَأَيْتُ ثَلَاثَ أَعْلَامٍ مَضْرُوبَاتٍ : عَلَمٌ فِي الْمَشْرِقِ , وَعَلَمٌ فِي الْمَغْرِبِ , وَعَلَمٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، وَأَخَذَنِي الْمَخَاضُ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ جِدًّا، فَكُنْتُ كَأَنِّي مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَرْكَانِ النِّسَاءِ ، وَكَثُرْنَ عَلَيَّ ، حَتَّى كَأَنَّ الْأَيْدِي مَعِي فِي الْبَيْتِ ، وَأَنَا لَا أَرَى شَيْئًا، فَوَلَدْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَطْنِي دُرْتُ ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَنَا بِهُ سَاجِدٌ قَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ ... "
وقد أورده ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (6/ 298) وسمى شيخ سليمان بن أحمد - وهو الطبراني -: حفص بن عمرو بْنِ الصَّبَاحِ.
وحفص هذا أورده ابن حبان في " الثقات " (8/ 201) وقال : " رُبمَا أَخطَأ ".
وإن كان اسمه : عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فلم نجد له ترجمة .
ويحيى بن عبد الله هو البابلتي ، وهو ضعيف الحديث ، ضعفه أبو زرعة وغيره.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة تفرد ببعضها، وأثر الضعف على حديثه بين.
وقال أبو حاتم: لا يعتد به.
" ميزان الاعتدال " (4/ 390) .
وشيخه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف أيضا ، قال أبو داود: سُرق لأبي بكر بن أبي مريم حلي، فأنكر عقله ، وسمعت أحمد يقول: ليس بشيء.
" ميزان الاعتدال " (4/ 498)
ووالد سعيد بن عمرو الأنصاري لم نجد له ترجمة .
فهذا خبر واهٍ .
وقال ابن كثير :
" غريب جدا " .
"البداية والنهاية" (6/ 299) .
وساقه شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/ 77) من طريق أبي نعيم وضعفه بقوله: "وهو مما تُكلم فيه".
وقال عند قولها : " ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف ، يحدقن بى فبينا أنا أتعجب وأنا أقول واغوثاه من أين علمن بى؟ " ، قال : " في غير هذه الرواية: فقلن لي : نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وهؤلاء من الحور العين " انتهى .
وهذا لم نجد له أصلا ، ولعله من خرافات جهلة الصوفية .
ثانيا :
أما القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة من آسية امرأة فرعون ، ومريم أم عيسى عليه السلام ، وسارة ، وهاجر: فقول باطل ، فإن سارة زوجة أبيه إبراهيم الخليل ، وهاجر أم أبيه إسماعيل ـ فهي في مقام أمه ـ ، وهما زوجتا إبراهيم عليه السلام في الجنة ، فمن قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج منهما في الجنة فقد قال منكرا من القول وزورا .
وما ورد من الأحاديث: أن الله عز وجل يزوج نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون : فلا يصح منها شيء ، وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم : (111279) .
والله تعالى أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب