أدلة القرآن الكريم على وجوب الحجاب وتغطية الوجه والكفين
الدليل الأول : قوله تعالى
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))[1]
قول الإمام الطبري :
===========
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ )) لا تتشبهن بالإماء في لباسهن ، إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن ، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن ، لئلا يعرض لهن فاسق ، إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول.
معنى قوله (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ))
هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن، فلا يبدين منهن إلا عينًا واحدة.
عن ابن عباس :
أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة .
وبين أبو عبيدة السلماني التابعي الكبير صفة ذلك :
فأتى بردائه ، فتقنع به ، فغطى أنفه ، وعينه اليسرى ، وأخرج عينه اليمنى ، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبًا من حاجبه أو على الحاجب .. (أي غطى وجهه كله عدا عينه اليمنى)
وعن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ)
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.
وعن ابن عباس قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، وإدناء الجلباب : أن تقنع ، وتشدَّهُ على جبينها.
التقنع : هو تغطية الوجه
وعن مجاهد، قوله: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يتجلببن فيُعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهنَّ فاسق بأذى من قول ولا ريبة. .
وقوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)
يقول تعالى ذكره: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء ، فيتنكبوا عن أذاهنَّ بقول مكروه ، أو تعرض بريبة (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) بهنَّ أن يعاقبهن بعد توبتهن بإدناء الجلابيب عليهن) اهـ .[2]
قول الإمام الجصاص الحنفي
==================
عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) خرج نساء من الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها.
قال أبو بكر: في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن.
وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى: (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) ظاهره أنه أراد الحرائر
وكذا روي في التفسير لئلا يكن مثل الإماء اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه، فجعل الستر فرقا يعرف به الحرائر من الإماء، وقد روي عن عمر أنه كان يضرب الإماء، ويقول: "اكشفن رؤوسكن، ولا تشبهن بالحرائر" اهـ .[3]
رُوي من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فاختبأت مولاة لهم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حاضت" ؟
فقالوا: نعم
فشق لها من عمامته ، فقال: "اختمري بهذا" [4]
قول الإمام الفقيه عماد الدين بن محمد الطبري
==========================
(( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ )) الجلباب : هو الرداء ، فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن، ولم يوجب على الإماء ذلك) اهـ .[5]
قول الإمام محيي السنة أبو الحسين البغوي
==========================
اكتفى رحمه الله في تفسير الإدناء بقول ابن عباس وعبيدة السلماني ولم يلتفت إلى قول آخر، كأنه لم يره شيئًا مذكورًا، وكذا فعل "الخازن" رحمه الله .[6]
قول الزمخشري قال- عفا الله عنه- في تفسيره:
============================
ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك، وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار، لا فصل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة (الخبثاء) يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة
فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليُحتَشَمن ويُهَبن، فلا يطمع فيهن طامع، وذلك في قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) أي: أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يُتعرض لهن، ولا يَلْقَين ما يكرهن.
فإن قلت: ما معنى (مِن) في (مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) ؟
قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين:
أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار كالأمة والماهنة، ولها جلبابان فصاعدًا في بيتها.
والثاني: أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله كل وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة.[7]
قول الإمام أبي الفرج جمال الدين الجوزي
========================
سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوْا المرأة عليها قناع تركوها، وقالوا: هذه حرة، وإذا رأوها بغير قناع، قالوا: أمة، فآذَوْها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)
قال ابن قتيبة : يلبسن الأردية
وقال غيره : يغطين رؤوسهن ووجوههن ليُعْلَمَ أنهن حرائر (ذَلِكَ أَدْنَى) أي: أحرى وأقرب (أَن يُعْرَفْنَ) أنهن حرائر (فَلَا يُؤْذَيْنَ) اهـ [8]
قول الإمام فخر الدين الرازي
================
وكان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن الزناة، وتقِع التهم، فأمر الله الحرائر بالتجلبب، وقوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)
قيل: يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن، ويمكن أن يقال: المراد أنهن لا يزنين، لأن من تستر وجهها ، لا يُطْمَعُ فيها أنها تكشف عورتها، فُيعرفن أنهن مستورات، لا يمكن طلب الزنا منهن اهـ .[9]
قول الإمام القرطبي
=============
لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن اهـ.
وقال أيضا: قوله تعالى: (مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) الجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء؟ وقد قيل: إنه القناع
والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن
وفي صحيح مسلم عن أم عطية قالت: قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟، قال: "لتلبسها أختها من جلبابها" اهـ.
وحكى رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
"ما يمنع المرأة المسلمة إذا كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها (أثوابها) ، أو أطمار جارتها مستخفية، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها"؟.[10]
قول الإمام البيضاوي
===========
(يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا
برزن لحاجة، و (مِن) للتبعيض، فإن المرأة ترخي بعض جلبابها، وتتلفع ببعض (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) يُمَيَّزنَ عن الإماء والقينات (فَلَا يُؤْذَيْنَ) فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) لما سلف (رَحِيمًا) بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها. اهـ .[11]
قول الإمام عبد الله النسفي
=================
(يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك و(مِن) للتبعيض، أي: ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها اهـ[12]
وهذا الذي نقله النسفي في تفسيره يدل دلالة ظاهرة على أن المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية تستر وجهها، وكان الإدناء للثوب عندما ينقشع عن وجه المرأة متعارفًا عليه بين المسلمين حتى مضت هذه الصورة مثالَا يحتذى)
قول الإمام أبي حيان :
===========
قال السدي: (تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين "، وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة) [13]
قول الإمام الحافظ ابن كثير
===============
يقول الله تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بان يدنين عليهن من جلابيبهن، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء.
والجلباب: هو الرداء فوق الخمار، قاله ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعطاء الخراساني، وغير واحد
وذكر قول ابن عباس وأبو عبيدة في وجوب تغطية الوجه .[14]
وقد فسر الإمام جلال الدين المحَلِّي رحمه الله :
==========================
(مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي: يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة (ذَلِكَ أَدْنَى) أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ) بأنهن حرائر (فَلَا يُؤْذَيْنَ) بالتعرض لهن، بخلاف الإماء، فلا يغطين وجوههن، فكان المنافقون يتعرضون لهن .[15]
وقال السيوطي رحمه الله:
===============
هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن .[16]
قول العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي
========================
ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به ابن مسعود، وابن عباس، وعَبيدة السلماني وغيرهم.[17]
وقال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في تفسير الآية:
================================
"والجلابيب جميع جلباب، والجلباب هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب، والتستر به، أمر الله سبحانه جميع النساء بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى لا يُعرفن بالعفة فلا يُفتتن، ولا يَفْتِنَّ غيرَهن فيؤذيهن" اهـ.[18]
-------------------------------------------------------------------
[1] الأحزاب: 59
[2] "جامع البيان عن تاويل آي القرآن" (22/ 45- 47) .
[3] "أحكام القرآن" (3/371- 372) .
[4] رواه ابن ماجه وابن أبي شيبة.
[5] "تفسير إلكيا الهراس الطبري" (4/ 354) .
[6] "لباب التأويل في معاني التَنزيل" (5/ 227)
[7] "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" (3/ 274) .
[8] "زاد المسير في علم التفسير" (6/422) .
[9] "مفاتيح الغيب" (6/ 591) .
[10] "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 243 - 244) .
[11] "أنوار التنزيل، وأسرار التأويل" (2/ 280) .
[12] "مدارك التنزيل، وحقائق التأويل" (3/79) .
[13] "البحر المحيط " (7/ 250) .
[14] تفسير القرآن العظيم" (6/ 470) .
[15] "قرة العينين على تفسير الجلالين" ص (560)
[16] "عون المعبود" (4/106) ، "الإكليل" على هامش "جامع البيان" ص (334) .
[17] "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (6/ 6! هـ) .
[18] رسالة تبحث في مسائل السفور والحجاب " ص: (6)