فضل الإحسان إلى الأم
الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم
على إمام الدعاة وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين وبعد ، فضيلة
الشيخ محمد بن علي السعوي ابلى بلاءً حسنا حين تطرق بمقاله الرائع عن فضل
الاحسان الى الام فلبحر اخوتي بين ثنايا هذا المقال الجميل ونستفيد من كل
كلمة فيه :
من الإحسان الذي يحب اللهُ فاعلَه
الإحسانُ بالوالدين وخصوصاً عند الكبر ، قال تعالى : (( وَقَضَى رَبُّكَ
أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل
لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )) ( 23 24 ) سورة الإسراء
والإحسان بالوالدين يتضمنُ كلَ عمل
من أعمال البر نحو الوالدين مع البعد عن كلِ ما يؤذيهما ، وبرهما يعتبر من
أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وأفضلِها ، سئل النبي صلى الله عليه وسلم :
أي العمل أحب إلى الله ، وفي لفظ : أي العمل أفضل قال : الصلاة على وقتها
ثم قيل : أيٌ قال:بر الوالدين قيل : ثم أي قال : الجهاد في سبيل الله ،
رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله عن ابن مسعود رضي الله عنه .
فبر الوالدين مقدم حتى على
الجهاد في سبيل الله ، مما يدل على عظيم حق الوالدين ، ليعلمَ الأولادُ
فضلَ والدَيهم وقدرهما ، ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يستأذنه في الجهاد فقالSad أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد ) رواه
البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم Sad أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله عز وجل ، فقال :
فهل من والديك أحد حي ، قال : نعم بل كلاهما ، قال : فتبتغي الأجر من الله
عز وجل ، قال : نعم ، قال : فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ) .
لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأم أكثر مما أوصى بالأب وذلك لعظيم
حقها على أولادها ، لكون عنائِها أكثر ومشقتِها أعظم ، مع ما تقاسيه من
الحمل والوضع والرضاع ، ولذلك جعل لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر وحسن
الصحبة .جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن
صحابتي ، قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ،
قال : ثم من ؟ قال : أبوك " رواه البخاري . قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ } (14) سورة لقمان .
[ فمن كانت له أم فليتدارك ما بقي من
أيامها لئلا يصبح يوماً فلا يجدُها ولا يجدُ ما يعوض عنها ، وإن كانت
كبيرة السن أو مريضة أو كثيرة الطلبات ، فاذكر أيها المسلم أنها إن احتاجت
إليك اليوم فلقد كنت في يوم أحوج إليها ، ولئن طَلبَتْ أن تقدم لها شيئاً
من مالك ، فلقد قدمت لك من نفسها ومن جسدها ، وأنها حملتك في بطنها فكنت
عضواً من أعضائها ، وقد تجدُ في الناس من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهرُ
الأم ويظهرُ الأب ولكن منهم من يحبك لجاهك ، أو لجمالك ، أو لمالك ، فإن
ساءت الحال ، أو ذهب الجمال ، أو قل المال ، أعرض عنك ولم يعد يعرفك ، أما
الذي يحبك لذاتك ، ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك ، فهو أمك وأبوك لا
تجد مثلَهما ] )
إن بر الأم سبب لإجابة الدعاء
ودخول الجنة ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّ خَيْرَ
التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ ، وَلَهُ وَالِدَةٌ ، وَكَانَ
بِهِ بَيَاضٌ ، فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ . وكَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ
سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ
فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ
عَامِرٍ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ
نَعَمْ ، قَالَ فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ
دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ
، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ
إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ
عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ
فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ
أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ الْكُوفَةَ ، قَالَ أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى
عَامِلِهَا ؟ قَالَ أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ ))
رواه مسلم . ونقل ابن الجوزي في صفة الصفوة ( 3 / 54 ) عن أصبغَ بن زيد قال
: (( إنما منع أويسًا أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم برُه بأمه)).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت : من هذا ؟ فقيل : حارثةُ بنُ النعمان ،
فقال : النبي صلى الله عليه وسلم:كذلكم البر ، وكان أبر الناس بأمه ) رواه
الإمام أحمد وغيره .
وقالت عائشة رضي الله عنها : [ كان
رجلان من أصحاب النبي صلى عليه وسلم أبرَ من كان في هذه الأمة بأمِهِما :
عثمانُ بن عفان ، وحارثةُ بن النعمان رضي الله عنهما ، أما عثمان فإنه قال :
ما قدرت أتأمل وجه أمي منذ أسلمت ، وأما حارثة فكان يطعم أمه بيده ، ولم
يستفهمها كلاماً قطُ تأمر به ، حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج ماذا قالت
أمي ،ولازم أبوهريرة رضي الله عنه أمه ولم يحج حتى ماتت .