الفرق بين السنة والعام والحوْل والحجة
أولاً – السنة
وردت لفظة ( سنة ) في القرآن الكريم سبع مرات في صيغة المفرد ، واثنتي عشرة مرة في صيغة الجمع ( سنين ) . فأما صيغة المفرد ( سنة ) فقد وردت في المرات السبع مقرونة بعدد كما يلي :
- (..يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ.. ) البقرة: 96 .
- (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.. ) المائدة: 26 .
- ( .. وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) الحج: 47
- ( .. فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.. ) العنكبوت: 14 .
- ( .. ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) السجدة: 5 .
- ( .. حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.. ) الأحقاف: 15
- ( .. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) المعارج: 4 .
وأما المرات الاثنتي عشرة التي وردت في صيغة الجمع ( سنين ) ، فيمكن قسمتها الى ثلاثة أقسام ، الأول للدلالة على أمر فيه شدة ومعاناة وتعب كالجفاف وانقطاع المطر ، وذلك في آية واحدة فقط هي (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف: 130 . والثاني للدلالة على عدد محدد أو غير محدد من السنين في سبع آيات من مثل (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا.. ) يوسف: 47 . ومثل ( .. وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ) الشعراء: 18 . والثالث مقترن بكلمة ( عدد ) وذلك في أربع آيات هي :
- ( .. لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ.. ) يونس: 5 .
- ( .. ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ.. ) الإسراء: 12 .
- (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) الكهف: 11 .
- ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) المؤمنون: 112 .
وبتأمل الآيات السابقة جميعاً نجد أنه باستثناء آية الأعراف (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ.. ) ، فإن جميع الآيات الثماني عشرة الأخرى قد ارتبطت بعدد ، إما صريح كما في ( ألف سنة ) ، أو غير صريح كما في (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) ، أو بذكر كلمة ( عدد ) نفسها كما في (ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) ، ومن هنا نستطيع أن نقول إن استخدام لفظة ( سنة ) ولفظة ( سنين ) يكون مترافقاً مع الشدة والمعاناة في حين لا يستخدم ( العام ) لذلك ، مثل (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) ، ومثل (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) والملاحظ أنها دائماً تكون بغرض العدد .
ثانياً – العام
وردت لفظة ( عام ) ثماني مرات في القرآن الكريم ، ووردت في صيغة المثنى ( عامين ) مرة واحدة فقط . وذلك في الآيات :
- (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ..) البقرة: 259 .
- (قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ.. ) البقرة: 259 .
- (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ..) التوبة: 126 .
- (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ.. ) يوسف: 49 .
- (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا.. ) التوبة: 37 .
- (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.. ) العنكبوت: 14 .
- (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.. ) التوبة: 28 .
- (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ.. ) لقمان: 14 .
وبتأمل الآيات الكريمة نجد أن ذكر العام فيها إنما هو لتحديد المدة ، سواء اقترنت المدة بعدد مثل ( مائة عام ) ، أو لم تقترن بعدد مثل ( بعد عامهم هذا ) ، فالآيات تريد إبراز وإظهار المدد أكثر من إظهار العدد ، فقوله (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ) ثم قوله (بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) يؤكد على تحديد مدة قدرها مئة عام وليس كما ظن عزير حين قال ( لبثت يوماً أو بعض يوم ) . ولعل في قوله تعالى عن نوح (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) توضيحاً أكثر ، حيث أريد بالسنين الألف إظهار العدد الكبير من السنين التي قضاها نوح في قومه ، ولكن في قوله ( إلا خمسين عاماً ) ذكر العام على سبيل تحديد المدة ، وربما كانت الأعوام الخمسين المستثناة هي المدة التي لم يعاني فيها نوح شدة سواء كانت قبل بعثته أو بعد غرق قومه . وقوله تعالى (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) فيه توضيح أكثر الى أن المقصود هو تحديد المدة بحيث أنه بعد انقضائها فلا يجوز للمشركين أن يقربوا المسجد الحرام . ولعل في قوله تعالى ( وفصاله في عامين ) أوضح مثال على تحديد مدة فصال الطفل عن والدته .
مما سبق نستطيع فهم الفرق الدقيق في المعنى بين السنة والعام ، حيث تستخدم السنة للعدد ولوصف الشدة والمعاناة ، ويستخدم العام لتحديد المدة ولا يترافق معه شدة . ويتجلى أمر الشدة في السنين والرخاء في الأعوام في قصة يوسف حين قال في تأويل رؤيا ملك مصر أن هناك سبع سنين شديدة (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ.. ) وعاماً بعدها من الرخاء (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) .
ثالثاً – الحَوْل
ذكر الحول في القرآن الكريم مرتين ، مرة في صيغة ( الحول ) في قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ.. ) البقرة: 240 .
ومرة في صيغة ( حولين ) في قوله تعالى :
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ.. ) البقرة: 233 .
ونلاحظ أنه في المرتين ، قد ارتبط بالولادة مرة ، وارتبط بالموت مرة . وحيث أن الولادة تحدث في كل وقت من العام فقد حددت الآية مدة الرضاعة بسنتين منذ وقت الولادة والى مدة تنتهي في مثل ذلك الوقت بعد سنتين ، وبتعبير آخر حتى يحول الحول على المولود مرتين . وكذلك الموت يحدث في كل وقت من أوقات العام فقد حددت الآية مدة بقاء الزوجة الأرملة في بيت زوجها منذ وفاته وحتى تمام مرور سنة أي حتى يحول عليها الحول . ومن ذلك نستطيع فهم تعبير الآيتين ( الحول ، حولين ) بأنه انقضاء سنة في نفس التاريخ الذي بدأت منه .
رابعاً – الحجة
ورد هذا التعبير في صيغة الجمع مرة واحدة في القرآن ، وذلك في سورة القصص حين قال شيخ مدين لموسى (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) القصص: 27 . وقد استخدمت الآية لفظة ( حجج ) للتعبير عن عدد السنين وعن تحديد المدة في آن معاً ، وقد سبق أن قلنا إن لفظة ( السنين ) استخدمت للتعبير عن العدد بينما استخدمت لفظة ( العام ) للتعبير عن تحديد المدة ، أما القضية التي تبرزها لنا هذه الآية فهي عقد استئجار شفوي يبرم بين شيخ مدين كطرف أول وبين موسى كطرف ثان ، يتفق فيه الطرفان على أن يزوّج الطرف الأول ابنته الطرف الثاني مقابل أن يعمل الطرف الثاني لدى الطرف الأول مدة محددة قدرها ثماني سنوات . ولأن صيغة العقد تقتضي الدقة ، فإن كل سنة تكون حجة على الطرف الثاني قبل أن تنقضي ، وحجة على الطرف الأول حين تنقضي ، ولذلك جاء التعبير عن السنة بالحجة .
كما أن الآية الكريمة تظهر لنا معلومة أخرى لا يعلمها معظم الناس ، فمن خلال استخدام تعبير ( ثماني حجج ) ندرك أن فريضة الحج كانت موجودة في ذلك العصر ، وكان الناس يحجون البيت الحرام ، ذلك أن عصر موسى متأخر بضعة قرون عن عصر إبراهيم عليهما السلام ، وكما نعلم فإن إيراهيم عليه السلام هو الذي أذن في الناس بالحج . وهذا يعني أن اللفظة تخدم معنيين في وقت واحد فلا يغني استخدام السنة ولا العام ولا الحول عنها .