《تدبر الجزء الثلاثون "القسم الثانى "》
[من سورة البلد الى سورة الناس]
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
(90)سورة البلد
سورة مكية ابتدأت بالقسم بالبلد الحرام بلد الرسول عليه الصلاة والسلام وفيه لفتة لأن الكفار آذوا رسول الله عليه الصلاة والسلام في بلد الله الحرام الذي يجب أن كون آمنا وفي هذا توبيخ لهم على أنهم استحلوا حرمة المكان وهي من الكبائر عند الله تعالى (لا أقسم بهذا البلد* وأنت حلٌ بهذا البلد)، ثم تتحدث الآيات عن اغترار كفار قريش بقوتهم تسلطوا وعاندوا وكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وأهلكوا أموالهم بغير وجه حق (يقول أهلكت مالاً لبدا)، ثم تناولت السورة كما هي الحال في كل سور هذا الجزء الأخير أهوال يوم القيامة والمصاعب التي يواجهها الإنسان والتي لا يمكّنه من تجاوزها إلا عنله الصالح (ثم كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) .اختتمت السورة بالتفريق بين المؤمنين والكفار في يوم القيامة ومآل كل منهم (أولئك أصحاب الميمنة* والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة* عليهم نار مؤصدة)
(91)سورة الشمس
سورة مكية ابتدأت بالقسم بسبعة أشياء من مخلوقات الله تعالى في كونه وهذا القسم العظيم كله على فلاح الإنسان إذا اتقى ربه وهلاكه إذا عصاه. وقد تناولت آياتها موضوع النفس البشرية وما جبلت عليه من الخير والشر وأهمية تزكية هذه النفس لترقى بصاحبها إلى جنات النعيم وبيان عقوبة من لم يزكي نفسه (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها). ثم تنتقل الآيات لعرض قصة ثمود الذين طغوا وعقروا الناقة فاستحقوا الهلاك والعذاب من الله تعالى (كذبت ثمود بطغواها..). وختمت السورة بتأكيد على ما هو واضح في سياق كل سور هذا الجزء الثلاثين من أن الآخرة لله تعالى وأنه لا يُسأل عما يفعل من عقاب الكافرين وثواب المؤمنين. فله الأمر وله الحكم سبحانه. وهذه السورة تتحدث عن ربط ظواهر كونية ببعضها من الشمس والقمر إلى الليل والنهار والسماء والأرض وتمر الآيات سريعة في وصف هذه الظواهر الكونية ثم تأتي الآيات تتحدث عن الإنسان (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) وكأنها تريد أن تعلمنا أن الإنسان هو أهم شيء في الكون كله وأن كل المخلوقات في الكون الفسيح إنما سخّرت لأجل الإنسان فكأنما الإنسان هو المميز بين مخلوقات الله تعالى كلها.
(92)سورة الليل
سورة مكيّة وتتمحور آياتها عن سعي الإنسان وعمله وعن نضاله في هذه الحياة ثم نهايته إلى النعيم أو إلى الجحيم. وقد ابتدأت السورة بالقسم كما في الكثير من سور هذا الجزء (والليل إذا يغشى..) وقد أقسم الله تعالى على أن سعي الإنسان في هذه الحياة مختلف ومتباين (إن سعيكم لشتى) ثم أوضح لنا سبل السعادة (فأما من أعطى واتقى..) وسبل الشقاء (وأما من بخل واستغنى..) وجزاء كل منهما. ثم حذّرت الآيات من أن يغتر الإنسان بماله الذي لن يغني عنه شيئاً يوم القيامة (وما يغني عنه ماله إذا تردّى) وحذرت أهل مكة من عذاب الله لتكذيبهم للرسول عليه الصلاة والسلام (فأنذرتكم ناراً تلظّى..). وختمت السورة بنموذج للمؤمن الصالح الذي ينفق أمواله في سبيل الله وابتغاء مرضاته وبيّن جزاءه (وسيجنبها الأتقى* الذي يؤتي ماله يتزكّى..) وهذه الآيات نزلت في أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حين أعتق بلال بعد أن اشتراه من سيده.
(93)سورة الضحى
هذه السورة وسورة الشرح وسورة الكوثر سور مليئة بمحبة الله تعالى لرسوله الكريم وكأنها تعويض عن عتاب الله الرقيق لرسوله r في سورة عبس. وهي تتناول شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وما أنعم الله تعالى عليه من النعم في الدنيا والآخرة (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ويتكرر فيها قوله تعالى (ألم يجدك) وكأنها إشارة للرسول الكريم بأن الله تعالى لا يمكن أن ينساك أو يقلاك وقد أنعم عليك بكل هذه النعم التي ذكرها من الإيواء والهداية والإستغناء (ألم يجدك يتيماً فآوى* ووجدك ضالاً فهدى* ووجدك عائلاً فأغنى). ثم أوصاه تعالى بثلاث وصايا مقابل النعم التي أنعم الله تعالى بها على رسوله عليه الصلاة والسلام (فأما اليتيم فلا تقهر* وأما السائل فلا تنهر* وأما بنعمة ربك فحدّث) وقد أقسم الله تعالى بالضحى والليل إذا سجى وهما وقتان في منتهى الرقّة على النفس البشرية وقت الضحى وهو أول ابتداء النهار ووقت الليل إذا سجى أي أول وقت الليل وهو الوقت اللطيف من الليل وليس الوقت المظلم الموحش. فهذان القسمان مناسبان تماماً لطبيعة السورة الرقيق والمليء بالمحبة للرسول عليه الصلاة والسلام والسورة كلها فيها من جمال اللفظ وروعة البيان ورقيق المعاني ما يدل على محبة الله تعالى للرسولعليه الصلاة والسلام ولطفه وعنايته به.
(94)سورة الشرح
سورة مكيّة وكما سورة الضحى تتحدث عن مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام ومقامه الرفيع عند رب العالمين وعددت نعم الله تعالى على الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك بشرح صدره اتطييب نفس الرسول عليه الصلاة والسلام بعد ما لاقاه في سبيل الدعوة من أذى ومشقة ومصاعب ومحاربة من قومه (ألم نشرح لك صدرك* ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك) كما تحدثت السورة عن إعلاء مكانة الرسول الذي يقترن اسمه مع اسم الله تعالى في الشهادة التي يكررها المسلمون مرات عديدة وبالصلاة عليه عند ذكر اسمه عليه الصلاة والسلام (ورفعنا لك ذكرك). وكأن السورة كلها تطييب لخاطر الرسول عليه الصلاة والسلام الذي عانى ما عاناه في سبيل الدعوة إلى الله ووحدانيته والإيمان به (فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا) واختتمت الآيات بأجما المعاني وهي تذكير الرسول عليه الصلاة والسلام بالتفرغ للعبادة بعدما بلّغ الرسالة وفي هذا شكر لله تعالى على نعمه لأن النعم تستحق الشكر وشكر النعم تكون على قدر المنعِم وعطائه ونعم الله تعالى عظيمة لأنها من العظيم سبحانه فأهل هو أن يحمد وأهل هو أن يشكر ويُعبد حق العبادة (فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب).
(95)سورة التين
هي سورة مكيّة تعالج موضوعين أساسيين هما تكريم الله تعالى للإنسان وموضوع الإيمان بالحساب والآخرة. ما علاقة التين والزيتون بمكة والطور في هذه السورة؟ الله تعالى يقسم بثلاثة أشياء هامة (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) يقسم بمكانين هما جبل الطور الذي كلّم الله تعالى موسى عليه ومكة المكرمة (البلد الأمين) أما التين والزيتون فليس القصد منهما الفاكهة وإنما يقصد بهما المكان وهو أرض فلسطين فالله تعالى يقسم بثلاثة أماكن هي من أطهر بقاع الأرض التي خصّها الله تعالى بانزال رسله وأنبيائه دون سائر بقاع الأرض وبهذا القسم يريد الله تعالى أن يعلمنا أنه كما أقسم بأطهر الأرض التي خلقها كذلك فقد خلق سبحانه الإنسان في أحسن تقويم وأطهر وأحسن شكل (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، ولمّا عصى الإنسان ربه تعالى نكس الإنسان نفسه (ثم رددناه أسفل سافلين) ويبقى طاهراً الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وختمت الآيات ببيان عدل الله تعالى في حساب الناس على أعمالهم (أليس الله بأحكم الحاكمين) بلى والله وإني على ذلك من الشاهدين.
(96)سورة العلق
وتسمى سورة إقرأ وهي سورة مكيّة وأول ما نزل من الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام في غار حراء وهي إيذان ببداية الرسالة. وهذا الموضوع الأساسي للسورة (إقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق*إقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم) وتتحدث السورة عن طغيان الإنسان بالمال وتمرده على أوامر ربه (كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى* إن إلى ربك الرجعى) ثم تناولت السورة قصة أبو جهل الذي يمثّل فرعون الأمة ووعيد الله تعالى له بأشد العذاب والعقاب (أرأيت الذي ينهى* عبداً إذا صلّى..) وأمرت الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم الإصغاء إليه والسجود شكراً لله تعبداً وتقرباً إليه (كلا لا تطعه واسجد واقترب). وقد اشتملت هذه السورة على العلم والعمل والعبادة فابتدأت بالدعوة للعلم وانتهت بالأمر بالعبادة والسجود والصلاة.
(97)سورة القدر
سورة مكيّة وتتحدث عن بدء نزول القرآن الكريم (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وفضل ليلة القدر على سائر الليالي والأيام والشهور (وما أدراك ما ليلة القدر) والتي هي عند الله خير من ألف شهر (ليلة القدر خير من ألف شهر) وفي تفسير الشيخ الشعراوي رحمه الله كان يقول أن ليلة القدر هي ليلة مميزة قبل نزول القرآن فيها وشرّفت أكثر بنزول القرآن في تلك الليلة ودليله على ذلك قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي أنها كانت معروفة باسمها ومميزة وسمّيت بليلة القدر قبل نزول القرآن فيها كما جاء في سورة الدخان (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) والله أعلم.
[سورة البينة (98)]
وتسمى سورة (لم يكن) وهي سورة مدنية وتتحد عن موقف أهل الكتاب من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة* رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة* فيها كتب قيّمة) وتتحدث عن موضوع إخلاص العبادة لله تعالى الذي هو لبّ العقيدة والدين وهذا هدف أساسي من الأهداف التي وردت في السور السابقة من القرآن ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة) ثم تناولت السورة مصير السعداء (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة) ومصير الأشقياء في الآخرة (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية).
(99)سورة الزلزلة
ومع أنها سورة مدنية إلا أن أسلوبها يشبه أسلوب السور المكيّة وفيها أهوال يوم القيامة والزلزال الذي سيكون يوم القيامة فيدمر كل شيء وينهار كل شامخ (إذا زلزلت الأرض زلزالها) وتخرج الأرض ما بداخلها (وأخرجت الأرض أثقالها) وتشهد على عمل بني آدم (يومئذ تحدّث أخبارها) وينقسم الخلائق إلى فريقين شقي وسعيد (يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم* فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره).
(100)سورة العاديات
سورة مكيّة تتحدث عن خيل المجاهدين في سبيل الله وأقسم الله تعالى بها إظهاراً افضلها وشرفها عند الله تعالى (والعاديات ضبحا * فالمريات قدحا* فالمغيرات صبحا*) وتحدثت الآيات عن كفران الإنسان وحجوده بنعم الله تعالى عليه وحبه الشديد للمال (إن الإنسان لربه لكنود* وإنه على ذلك لشهيد* وإنه لحب الخير لشديد*) ثم بيّنت الآيات أن الآخرة لله تعالى ومردّ الناس جميعاً لله رب العالمين الذي سيحاسبهم على أعمالهم في الدنيا ولن ينفعهم يومها إلا العمل الصالح (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور* وحصّل ما في الصدور* إن ربهم بهم يومئذ لخبير*)
(101)سورة القارعة
سورة مكيّة تتمحور كما باقي سور هذا الجزء حول أهوال يوم القيامة وشدائدها وما فيها من أحداث عظام حيث يهيم الناس على غير نظام من شدة حيرتهم وفزعهم وذهولهم للموقف الذي هم فيه (القارعة* ما القارعة* وما أدراك ما القارعة* يوم يكون الناس كالفراش المبثوث* وتكون الجبال كالعهن المنفوش*) ثم توضح الفرق بين المؤمنين الطائعين وجزاؤهم (فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية) والكافرين العصاة المكذبين (وأما من خفت موازينه* فأمه هاويه* وما أدراك ما هي* نار حامية*) وقد سمى الله تعالى النار أم لأن الأم عادة هب مأوى ولدها ومفزعه ونار جهنم في الآخرة تؤوي هؤلاء الكفرة المكذبين وتضمهم كما يأوي الأولاد إلى أمهم فتضمهم. وهاوية اسم من أسماء النار وسميّت هكذا لبعد قعرها فيهوي فيها الكفار كما قيل سبعون خريفا أعاذنا الله منها. والتكرار في هذه السورة لكلمة القارعة دليل على التهويل.
(102)سورة التكاثر
سورة مكيّة تتحدث هذه السورة عن انشغال الناس بمغريات الحياةوحطام الدنيا حتى يأتيهم الموت بغتة ويقطع عنهم متعتهم (ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر* كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون*).فبعض الناس يعيشون لأجسادهم ويهملون الروح. وتتوعد من عاش لجسده. والنهي في هذه السورة عن التكاثر ليس المقصود منه النهي عن التكاثر بعينه وإنما المقصود النهي عن التلهي بالتكاثر (من الأموال والأولاد والزينة) عن عبادة الله الواحد سبحانه وتعالى. وفي الآيات تحذير للذين عاشوا لأجسادهم وللذين ألهاهم التكاثر عن عبادة الله الواحد أن نهاية هذه الأجساد فهو إلى الموت حيث تفنى الأجساد وتصعد الأرواح إلى خالقها. وتحذر الآيات الناس: إياكم أن تعيشوا لأجسادكم فقد خلق الله تعالى الجسد وخلق فيه الروح التي لها غذاء خاص ألا وهو طاعة الله والإقبال عليه، فلو أصرّ الناس على العيش لأجسادهم فإنهم سيرون الجحيم عين اليقين ثم يسألهم الله تعالى عن نعيم الجسد (كلا لو تعلمون علم اليقين* لترون الجحيم* ثم لترونها عين اليقين* ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم). فالإنسان مطالب بالتوازن بين متطلبات الجسد المادية ومتطلبات الروح من عبادات ومحافظة على الصلوات والاستغفار والتقرب إلى الله وطاعته.
(103)سورة العصر
سورة مكيّة وهي سورة في غاية الإيجاز في اللفظ وفي غاية الشمول من حيث المعنى ويقول الإمام الشافعي في هذه السورة: لو لم ينزل الله تعالى من القرآن سوى سورة العصر لكفت الناس. لأن الإسلام في النهاية يرتكز على أربعة أمور فهو إيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق لنصرة الدين في الأرض والتواصي بالصبر لأن نصرة الدين تعرّض صاحبها للمتاعب والمشقة فيحتاج إلى الصبر لتحملها في سبيل نصرة الدين والدعوة إلى الله. والذي لا يسير على المنهج الذي ارتضاه الله تعالى يكون من الخاسرين (إن الإنسان لفي خسر) وهذه السورة تأتي مقابل سورة الفاتحة فقوله إهدنا الصراط المستقيم مقابل قوله وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. وهذه السورة فيها كل مقومات الحضارة وهي الإهتمام بالزمن والعمل فالوقت عامل أساسي لقيام الأمم والحضارات فالإهتمام بالوقت وبالعمل والتواصي بالحق والصبر هي من أهم مقومات الحضارة الإنسانية. والقسم في هذه السورة بأحد مخلوقات الله تعالى (والعصر) وهو الدهر والزمان كما جاء في كثير من آيات هذا الجزء.
(104)سورة الهمزة
سورة مكيّة وتتمحور حول الذين يعيبون الناس ويلمزونهم بالطعن والنتقاص منهم والسخرية وهذا كله فعل السفهاء من الناس (ويل لكل همزة لمزة) كما تذم السورة الذين يكدّسون الثروات (الذي جمع مالاً وعدده*) وكأنهم خالدون في هذا الحياة الدنيا وأن هذا المال الذي يكنزونه هو الذي سيخلدهم (يحسب أن ماله أخلده) ولا يدري هؤلاء الأشقياء أن عاقبتهم ستكون في نار جهنم التي لا تنطفئ أبدا (كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة* نار الله الموقدة* التي تطلع على الأفئدة* إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممددة) وسميّن النار هنا بالحطمة لأنها تحطم العظام حتى تصل إلى القلوب.
(105)سورة الفيل
سورة مكية تتحدث حول قصة أصحاب الفيل الذين قصدوا الكعبة المشرفة لهدمها وحدثت هذه القصة في العام الذي ولد فيه أشرف الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . وهي سورة فيها عبرة لكل طاغية متكبر متجبر في كل العصور والأزمان (لذا جاء فعل تر في قوله (ألم تر) بصيغة المضارع للدلالة على الإستمرار والتجدد) فكل من طغى وتجبّر على الله تعالى سيكون عقابه ومصيره كمصير أبرهة وجيشه لما حاولوا هدم الكعبة المشرّفة وسيكون كيدهم في تضليل (ألم يجعل كيدهم في تضليل* وأرسل عليهم طيراً أبابيل* ترميهم بحجارة من سجّيل* فجعلهم كعصف مأكول).
(106)سورة قريش
سور مكيّة تتحدث عن آفة خطيرة تصيب الناس عامة والمتدينين خاصة ألا وهي إلف النعمة. فالإنسان قد يألف النعمة التي أنعمها الله تعالى عليه بحيث لا يعود يشعر بها وبعظمتها ولا يؤدي حقها وهو شكر الله تعالى وحمده على نعمه. كما فعل كفّار قريش الذين ألفوا رحلة الشتاء والصيف وغاب عنهم أن الله تعالى هو الذي سهّل لهم هاتين الرحلتين ومهّد الطريق ووفّر التجارة لهم وأنعم عليهم بنعمة الأمن وعدم الجوع والفقر (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فعلى الناس جميعاً شكر الله تعالى على نعمه والمداومة عى العبودية لله تعالى المنعم على عباده بشتى النعم.
وقد قال الإمام الفخر: إعلم أن الإنعام على قسمين: أحدهما دفع ضر وهو ما ذكره في سورة الفيل، والثاني: جلب منفعة وهو ما ذكره في هذه السورة ولما دفع الله عنهم الضر وجلب لهم المنفعة وهما نعمتان عظيمتان أمرهم تعالى بالعبمودية وأداء الشكر (فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
(107)سورة الماعون
سورة مكيّة تتمحور حول الحديث عن صنفين من البشرهما الكافر الجاحد لنعم الله والمكذب بيوم الحساب (أرأيت الذي يكذب بالدين* فذلك الذي يدعّ اليتيم* ولا يحض على طعام المسكين) والصنف الآخر هو المنافق المرائي الذي لا يقصد بعمله وجه الله تعالى وإنما يرائي في كل أعماله وعبادته (فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراؤون* ويمنعون الماعون). وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الحمد لله الذي أنقذنا بحرف عن حرف، قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم فمن منّا لا يسهو في صلاته) لأنه لو قال (في صلاتهم) لكانت في المؤمنين والمؤمن قد يسهو في صلاته أما أنها جاءت في الآية (عن صلاتهم) فقد فُهم أنها في المنافقين لأن سهو المصلي المنافق فهو الغافل عنها والذي يؤخرها تهاوناً ولا يتم ركوعها ولا سجودها.
(108)سورة الكوثر
سورة مكيّة هي من أعظم السور التي تظهر نعم الله تعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام وفضله العظيم وعطائه الكثير له في الدنيا والآخرة (إنا أعطيناك الكوثر) وكما في سابق السور التي فيها إخبار بالنعم من الله تعالى تأتي نهاية السورة بالدعوة للشكر وعبادة الله تعالى والنحر شكراً لله على نعمه العظيمة وآلائه الكثيرة (فصل لربك وانحر) وقد ختمت السورة بذم أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام وبيان أنهم هم المقطوعون من كل خير في الدنيا والآخرة أما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد أعلى الله تعالى ذكره في الدنيا وأعطاه في الدنيا والآخرة ما هو أهل له واسمه وذكره خالد إلى آخر الزمان (إن شانئك هو الأبتر) لأن معنى الأبتر المقطوع من كل خير.
(109)سورة الكافرون
سورة مكيّة وهي سورة التوحيد والبراءة من الشرك والضلال وقد نزلت بعد أن طلب كفار قريش من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون إلهه سنة وفيها قطع لأطماع الكافرين وفصل النزاع وأن هذا الدين دين الحق وليس فيه مهادنة (قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد*) إما أن يتبعوه فينجوا وإما يعرضوا عنه فيلقوا العذاب الأليم في الآخرة ( لكم دينكم ولي دين).
(110)سورة النصر
سورة مدنية تتحدث عن فتح مكة الذي أعز الله تعالى به المسلمين وانتشر به الاسلام في جزيرة العرب وانتصر الحق وزهق الباطل ودخل الناس في دين الله أفواجا وقد كان الإخبار من الله تعالى بفتح مكة قبل وقوعه وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام وهي اعلام من الله تعالى باتمام الرسالة وفيها نعي الرسول عليه الصلاة والسلام . (إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) وقد نستغرب ونقول ما علاقة النصر بالاستغفار في هذه السورة؟ إن الفاتحين والمنتصرين عبر العصور والأزمان عادة ما يصيبهم الكبر والعجب والإعجاب بالنفس لما حققوه من انتصارات وينسون الله تعالى الذي نصرهم، أما الأمة الإسلامية فلها منهج محدد فيأتي الاستغفار ليعلّم هذه الأمة أن النصر ليس وقت الكبر والعجب لكنه وقت عودة النفس لربّها الذي أعان على النصر أصلاً وهكذا تعلمنا سورة النصر أنه في نهاية الأعمال العظيمة في ديننا لا بد من الاستغفار تماماً كما نفعل عقب الصلوات والحج والصوم وكل الأعمال العبادية التي نقوم بها وهذا كلّه حتى يحمينا الله تعالى من الوقوع في الكبر والعجب والزهو بالنفس ومهما كان ما حققه المسلم يجب أن يذكر تقصيره أمام عظمة الله تعالى ونعمه فيستغفر ربّه في كل الأحوال.
(111)سورة المسد
سورة مكيّة وتسمى سورة اللهب وسورة تبّت وتتمحور حول هلاك أبي لهب عدو الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام الذي صد الناس عن الإيمان وآذى الرسول عليه الصلاة والسلام وقد توعده الله تعالى بنار موقدة يصلاها هو وزوجته التي اختصها الله تعالى بلون خاص من العذاب وهو الحبل الذي يلف عنقها لتجذب به إلى النار زيادة في التنكيل بها لما فعلوه بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وما آذوه في مكة (تبّت يدا أبي لهب وتبّ* ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى ناراً ذات لهب* وامرأته حمّالة الحطب* في جيدها حبل من مسد) وقد قال ابن المسيّب في امرأة أبو لهب أنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت: واللات والعزى لأنفقنها في عداوة محمد فأعقبها الله تعالى منها حبلاً في جيدها من مسد النار.
(112)سورة الإخلاص
سورة مكيّة تتحدث عن صفات الله تعالى الواحد الأحد والمنزه عن صفات النقص وعن المماثلة والمجانسة وقد ردّت على النصارى الذين يقولون بالتثليث وعلى المشركين الذين جعلوا لله تعالى الذرية والصاحبة. وسبب نزولها أن فريقاً من المشركين سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصف لهم ربه أمن ذهب هو أم من فضة أم من زبرجد أم من ياقوت؟ فنزلت الآية (قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد*). وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن كما في الأحاديث الشريفة كما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قرأ (قل هو الله أحد) فكأنما قرأ بثلث القرآن) وقال العلماء لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف فعلوم القرآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار لأنها أساس وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة دون شريك ولا ولد سبحانه عما يقولون ويفترون.
(113)سورة الفلق
سورة مكيّة وفيها تعليم للعباد للجوء إلى الله تعالى (قل أعوذ برب الفلق) والاستعاذة به من شر مخلوقاته (من شر ما خلق) ومن شر الليل إذا أظلم لأنه يثير في النفس الوحشة (ومن شر غاسق إذا وقب) ومن شر الحساد والسحرة (ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد إذا حسد) وهي من إحدى المعوذتين اللتين كان النبي عليه الصلاة والسلام يعوّذ نفسه بهما. وفي هذه السورة إستعاذة بالله من الشرور الواقعة على الإنسان من الخارج ولا يمكنه دفعها كالليل والغاسق والحسد والسحر، وهي استعاذة من شرور المصائب. وفي هذه السورة استعاذة بالله وحده من شرور كثيرة.
(114)سورة الناس
سورة مكيّة وهي ثاني المعوذتين وفيها الإستجارة والاحتماء برب العالمين (قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس) من شر أشد الأعداء ابليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن (من شر الوسواس الخنّاس) الذين يغوون الناس بشتى أنواع الغواية ليضلوهم ويبعدوهم عن عبادة الله الواحد الديّان (الذي يوسوس في صدور الناس* من الجنة والناس) . الإستعاذة في هذه السورة هي من شرور الإنسان الداخلية التي تقع عليه أم على غيره وهي استعاذة من المعايب. وفي هذه السورة استعاذة من شر واحد ألا وهو شر وسوسة الشيطان المهلكة بالرب والملك والإله. وكلمة الناس المتكررة كل منها تدل على معنى مختلف لتتناسب مع كلمة رب وملك وإله. فالناس الأولى أقل من الناس التي بعدها والأخيرة فقد تدرج معنى كلمة الناس من القلة إلى الكثرة على عكس كلمة الرب والملك والإله فقد تدرج من الكثرة إلى القلة، فالرب هو المرشد الموجه وقد يكون هناك العديد من المرشدين في المجتمع لكن لكل دولة ملك خاص بها والدنيا فيها ملوك كثر ولكن الإله واحد لا شريك له لكل الخلق من الإنس والجن. فالإله إله الخلق جميعاً وناسه كثر أما الملك فناسه أقل من الإله وكذلك الربّ ناسه أقل لأن الرب هو رب المؤمنين الطائعين فقط وليس كل الناس مؤمنين.
وهذه السورة اختتم بها آيات المصحف الشريف وهي خير ختام لهذا القرآن ويتناسب مع بدايته بسورة الفاتحة التي خاطب بها الله تعالى الناس بقوله (الحمد لله رب العالمين) (إياك نعبد وإياك نستعين) ثم جاءت هذه السورة (من الجنة والناس) لتشمل العالمين جميعاً وهم كلهم من بداية الأمر إلى نهايته يستعينون بالله تعالى ويلجأؤون إليه. ومن الملاحظ أن الله تعالى قدم الجنة على الناس لأن الجنّة هم الأصل في الوسوسة. هذا والله أعلم.
وهذا ختام هذا الجزء وختام القرآن الكريم الذيأوصيكم وأوصي نفسي بعدم هجره بأي طريقة من طرق الهجر ولا نكون ممن قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام (إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) ولنعمل به كما أوصانا رسولنا وقدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي). ومثل الذي يقرأ القرآن ولا يقرأه كمثل الحيّ والميت، فلنحيي قلوبنا وبيوتنا بالقرآن العظيم وبتدبر آياته واتّباع أوامره واجتناب نواهيه ولنتخلّق بأخلاقه ولنقيم حدوده ولنزداد من الحسنات لأن هذا القرآن العظيم هو كنز الحسنات فمن قرأ منه حرفاً فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف وأنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف، فكيف بعد هذا النعيم كله وهذا الكنز العظيم يمكن لأحدنا أن يهجر هذا القرآن العظيم أو لا يتدبره فهو منهج حياة المسلم والذي يؤدي به إلى رضى الله تعالى وجنات عدن التي وعد الله عباده المؤمنين بها، جعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه وممن يقيم حدود القرآن لا من يقيم حروفه ويضيّع حدوده ووفقنا جميعاً لفهم كتابه العزيز وتطبيق أحكامه والامتثال لأوامره حتى ننعم بسعادة الدارين ونكون من أهل القرآن وخاصته الذين هم أحباب الله تعالى وجعلنا الله تعالى ممن يشفع لهم القرآن يوم القيامة ويقول حرمته النوم بالليل فشفّعني فيه اللهم آمين . وهذا القرآن العظيم فيه شفاء للصدور والأمراض النفسية ومراد الله تعالى في هذا القرآن عظيم وهو صالح لكل زمان ومكان وفيه الخير لأمتنا ولا تنقضي عجائبه والغوص إلى أعماقه ليس بالأمر اليسير ولكن هذه الصفحات ما هي إلا محاولة بسيطة لسبر أغوار هذا الكنز العظيم ولتدبر آياته ومعانيه فالله تعالى نسأل التوفيق وأن يعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا وأن يزيدنا فهماً لكتابه وعملاً بأحكامه وما توفيقي إلا بالله العزيز الحكيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقرة أعيننا ودليلنا إلى الخير رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام .
><><><><><><><><><><><
اللهم لك الحمد فما كان من توفيق فمنك وحدك
وما من خطأ أو سهو أو تقصير وكل ذلك عندي فمن نفسي ومن الشيطان
فاغفر لي وارحمني وانفعني بما علمتني .
ولكم بالمثل إخوتي في الله
وإلى لقاء التقوى والجنة ..