《《معنى حديث : إن الله يحب أن تؤتى رخصه ... الحديث؟》》
الجواب:
الحمد لله
أولا :
( الرُّخَص ) جمع ( رُخصة ) ، وهي في اللغة : التسهيل والتيسير ، يُقال : " رخَّص الشرعُ لنا في كذا ": إذا يسَّره وسهَّله ، ينظر: " المصباح المنير" للفيومي (1/223).
مثال ذلك: إفطار المسافِر في نهار رمضان ؛ فالصوم فرض ، وثبتَت فيه الرُّخصة للمسافِر بدليل خاص ؛ وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/ 185 .
ومثاله أيضا : التيمُّم رخصة في الطهارة ، لمَن لم يجد الماء ؛ فالأصل في الطهارة المياه ، لكن رُخِّص في التيمُّم بدليل شرعي لمَن لم يجد الماء ؛ لقوله تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) المائدة/ 43 .
ثانيا :
وفي ضوء ما سبق ، نفهم من هذا الحديث: أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحِبُّ للمسلِم أن يأخذَ بالرُّخَص الشرعيَّة التي رخَّصها لعباده ، رحمةً بهم ؛ كما قال تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/ 185.
فلا ينبغي للعبد أن يأنف عن قَبولِ ما أباحَه الشرعُ ووَسَّع فيه ، ويستنكف عن أن يترخص في خاصة نفسه ، حين الحاجة إلى مثل هذه الرخص ، بحدودها الشرعية ؛ فهذا ممَّا يكرَهه الله عزَّ وجلَّ ؛ كما يكرَه أن يتعدَّى الإنسانُ حدودَ الله فيأتي المعصية ؛ وفي هذا تأكيدٌ لمشروعية الرخص ، وحث على قَبولها والتيسير بها ، وعدم التعنت والإشقاق بتركها .
قال الشوكاني - رحمه الله -: "وفيه [أي: في الحديث] أنَّ الله يحب إتيان ما شرعَه من الرُّخَص ، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية : دليلٌ على أنَّ في تَرْكِ إتيانِ الرُّخصة ، ترك طاعة ، كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية " انتهى من "نيل الأوطار" (3/244).
والأخذ بالرُّخَص الشرعيَّة " فيه دفع التكبُّر والترفُّع من استباحة ما أباحته الشريعة ، ومَن أنِفَ ما أباحه الشرعُ ، وترفَّعَ عنه : فسدَ دينُه ؛ فأُمِرَ بفِعْلِ الرُّخصة ؛ ليدفع عن نفسه تكبُّرها ، ويقتل بذلك كِبرها ، ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قَبول ما جاء به الشرع" انتهى من " فيض القدير " للمناوي (2/296).
وقد ثبتَ في الحديث ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : " قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (النساء: 101) ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ( صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ ؛ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ) رواه مسلم (686).
وليس المقصود بأخذ الرُّخَص : تتبع رُخَص المذاهب الفقهيَّة وأقوال العلماء ، واختيار الأسهل منها ؛ بل المراد الرُّخَص الشرعيَّة التي جاء الدليلُ الشرعيّ بالترخيص فيها.
الاسلام سؤال وجواب