السؤال: إن الإنسان قد يبتلى في دينه، فبماذا توصي من حصل له مثل هذا؟
الجواب: أولاً: الناس يبتلون على قدر إيمانهم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ذكر أن أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، وصح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: {مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تفيئها الريح يمنة ويسرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال قائمة حتى يكون انجعافها مرةً واحدةً } ولذلك لا يبتلى المنافق في الغالب إلا بما يبتلى به الكفار، أو ابتلاءً يشترك معه بقية الناس، فأوصي نفسي وأنفسكم أن نتمنى العفو والعافية، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعافينا، فإذا وقع الابتلاء عليك بأربعة أمور كما قال ابن القيم :
أولها: أن تحمد الله عز وجل أن أبقى عليك دينك، وأنك ما كفرت بالله، وأنك ما خرجت عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقولون ولذلك إن عالماً من علماء المسلمين حبس مع نصراني في بيت المقدس -أي: في سجن- فكان هذا النصراني توجعه بطنه وعنده إسهال، فكان كلما أراد أن يقضي حاجته يأخذه معه، فيقول العالم: الحمد لله رب العالمين، فقال الحارس: على ماذا تحمد الله؟! على أن سلسلك في هذا الحبل ويسحبك هذا النصراني إلى الحمام، قال: أحمد الله على أني مسلم ولست نصرانياً، أحمد الله على أن الدين بقي.
الثاني: كما يقول ابن القيم : إن الابتلاء سنة من سنن الله، وكما يقال في المثل: في كل واد بنو سعد، وما من واحد إلا ابتلي، والله خلق الخلق ليبتليهم، وليعرف الصادق من الكاذب.
الأمر الثالث: أنها أسهل من غيرها، وأنها أهون من أطم وأعم منها؛ فإن بعض الضربات تعمي، وأعمى العمى من يرتد عن دينه.
الرابع: أن في الأجر والمثوبة عند الله ما يسلي، فإن الأجور عنده سبحانه كما قال: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157].
يقول عمر : [[والذي نفسي بيده! ما عليَّ على أي حالة أصبحت، إن كان على الفقر لهو الصبر، وإن كان على الغنى لهو الشكر ]] وقالوا لـعمر بن عبد العزيز : ماذا تتمنى؟ قال: [[أتمتع بمنازل القضاء والقدر ]] قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] فما أعظم الأجر والمثوبة؛ فإن ما فات العبد، وما أصيب به من هم وغم وحزن وتعريض وتعنيف كله في جانب أجره عند الله سهل.
ومن المنافع العظيمة في الابتلاء، وهي جزيلة: تمحيصهم من الذنوب والخطايا، ويصفيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا الابتلاء.
ومنها أيضاً: أن يُمكَّن الإيمان، ويكتب الإيمان في قلبه كما يقول سيد قطب في كلام له يقول: "هذا الدين لا يأتيه كل من يريده" وهو كما يقول أحد الدعاة العصريين: ليس زريبة بقر، فالدين ليس زريبة بقر يدخل فيه من يدخل ويخرج من يخرج، والدين لا يأتيه إلا من هو صادق، لأن الجنة حُفت بالمكارة، وحفت النار بالشهوات، فلا يأتي الدين إلا من هو صادق، أما الشهواني فلا يريد الدين؛ ولذلك لا يبتلى؛ لأنه قد سقط في أول الطريق.
على ماذا يُبتلى الذي لا يصلي الفجر جماعة؟!
على ماذا يبتلى الذي لا يعرف بيت الله، ولا يعرف القرآن، ولا يتمنى الشهادة، ولا يريد وجه الله؟!: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].. وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] تماماً كالحيوانات، شهوات، وسهر، وغناء، ومجون، وبطون، وفروج، ولكن لا ابتلاء؛ لأنهم رسبوا في أول الطريق، ولا يزال الابتلاء بالعبد حتى يصل به مثاقيل الذر، وفي أثر: {يتمنى الناس يوم القيامة أنهم قرضوا بالمقاريض يوم يرون المبتلين } وقال أبو الدرداء : [[أول ما يدخل الجنة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء ]].
ويقول سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134].
فهذه من دروس الابتلاء، ومن ابُتلي عليه أن يكثر من قوله حسبنا الله ونعم الوكيل، ومن ترداد: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول ابن تيمية وذكره ابن القيم أيضاً في الوابل الصيب : "قال الله للملائكة: احملوا العرش، قالوا: لا نستطيع يا رب، قال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوها حملوا العرش"
ومنها: كثرة الاستغفار: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:250-251].
ومنها: التعلق بالقرآن والنوافل والدعاء، يقول ابن تيمية في المجلد الحادي عشر لما جعلوا له المناظرة في الإسكندرية وهو في بيت قال: "فأعددت في الليل من العبادة والدعاء ما ينبغي للمواجهة" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقوة المؤمن أن يعد من الأذكار والأدعية ما ينبغي للمواجهة.