حكم نشر آيات من القرآن الكريم مع ترجمة لمعانيها في مواقع غير المسلمين.
السؤال : سؤالي متعلق بموضوع نشر القرآن والأحاديث هل يجوز أن أنشر الآيات بالعربي مع ترجمة معانيها إلى مواقع الكفار ، مثل أن أنشره بالهشتاقات الخاصة بهم ، ومنتدياتهم أم إن في هذا إهانة للقرآن ؟
الجواب :
الحمد لله
نشر آيات من القرآن ، مع ترجمة لمعانيها في مواقع وصفحات غير المسلمين بقصد دعوتهم؛ هو من أحسن الأعمال.
قال الله تعالى:
( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت /33.
وليس في هذا النشر إهانة للقرآن، بل هو مشروع وله أصل من السنة.
وهو من باب غشيان مجالس الكفار ، وأنديتهم ، لدعوتهم ، وإسماعهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام ، وكان فيه : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ وَ: ( يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)" . رواه البخاري (7) ومسلم (1773).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" واتفقوا أنه يجوز أن يُكْتَب إليهم الآيةُ والآيتان ، وشبههما ، في أثناء كتاب ؛ لحديث أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم كتابا فيه ( يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) الآية " انتهى. "المجموع" (2 / 71).
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" فإن قيل: أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله؟
قال: أما إذا دعا إلى الإسلام، أو كانت ضرورة إلى ذلك، فلا بأس به؛ لما رواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أخبرني أبو سفيان بن حرب، فذكر قصة هرقل وحديثه ..." انتهى. "الاستذكار" (14 / 52 - 53).
لكن إذا كان ذلك سيؤدي إلى تطاول هؤلاء الكفار على القرآن ، واستهزائهم به ، وسبهم له ؛ فإنه لا ينبغي لك فعل ذلك ؛ دفعا لهذه المفسدة العظيمة ؛ لا سيما إن كان ذلك في حق قوم بلغتهم رسالة الإسلام ، وأقيمت عليهم الحجة بنبوته .
فقد (نَهَى الرسول صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْض الْعَدُوّ ، مَخَافَة أَنْ يَنَالهُ الْعَدُوّ) رواه مسلم .
قال النووي في شرح مسلم (6/342) :
"فِيهِ : النَّهْي عَنْ الْمُسَافَرَة بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْض الْكُفَّار لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث ، وَهِيَ خَوْف أَنْ يَنَالُوهُ فَيَنْتَهِكُوا حُرْمَته" انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (6/443) :
"خوفا من الاستهانة به" انتهى .
وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (12/20) :
"وفي هذا الحديث ما يدل على أنه لا يمكن العدو من المصحف ، ولا من بعضه ؛ لئلا يستهزئ بذلك ، ويستخفوا به" انتهى .
ومع أن ما يكتب لهم في المنتديات : ليس مصحفا ، ولا له أحكام المصحف من كل وجه ؛ فإن صيانة كلام الله عزو جل عن الامتهان ، سواء بالقول ، أو بالفعل : واجب على كل حال .
وسواء كانت الآية مسموعة ، أو مقروءة ، بل لو كانت ذكرا مجردا ، لا قرآن فيه ، وإنما فيه ذكر الله والثناء عليه : لم يجز تعريضه للامتهان ، أو السخرية به ، على حال .
والله أعلم.