يسأل عن طبيعة النفس وتأثيرها في عمل الإنسان وهل تتأثر وراثياً؟
السؤال : يعتقد النصارى بعقيدة الخطيئة الأصلية ، وأن البشر ورثوا تلك المعصية كلعنة من الله ، وعليه ورث جميع الرجال والنساء من بني آدم وحواء المعصية ، ونحن نؤمن بالنفس والتي هي رغباتنا الطبيعية لارتكاب المعاصي (أظن ذلك) . فمتى وجدت النفس في جسد بني آدم ؟ هل كان ذلك عند نفخ الروح في الجسد أم قبل ذلك أو بعد ذلك ؟ وكيف يختلف أمر النفس عندنا عن الخطيئة الأصلية عند النصارى ؟ هل نرث النفس من آبائنا؟ وما دور النفس في شهر رمضان ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
النفس المدبرة للبدن هي الروح المنفوخة فيه ، فنفس آدم وجدت فيه عند نفخ الروح فيه ، ولكن لفظ " النفس " يطلق باعتبار ، ولفظ " الروح " يطلق باعتبار آخر .
قال شيخ الإسلام رحمه الله ، كما في "مجموع الفتاوى" (9/289) :
"وَالرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ ، الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ : هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ: ( إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا حَيْثُ شَاءَ ، وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ ) ، وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك ) ، وَقَالَ تَعَالَى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَقْبِضُهَا قبضين: قَبْضُ الْمَوْتِ ، وَقَبْضُ النَّوْمِ ، ثُمَّ فِي النَّوْمِ يَقْبِضُ الَّتِي تَمُوتُ ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، حَتَّى يَأْتِيَ أَجَلُهَا وَقْتَ الْمَوْتِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا نَامَ : ( بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْت جَنْبِي وَبِك أَرْفَعُهُ ، إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ ) .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ الشُّهَدَاءَ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ ، ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ .
وَثَبَتَ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قُبِضَتْ رُوحُهُ ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : ( اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اُخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْك ) .
وَيُقَالُ : ( اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ؛ اُخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْك ) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ( نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ : طَائِرٌ ؛ تَعْلُقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ ) ؛ فَسَمَّاهَا نَسَمَةً.
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبَلَ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ ، وَقِبَلَ شِمَالِهِ أَسْوِدَةٌ ؛ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى . وَأَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذِهِ الْأَسْوِدَةُ نَسَمُ بَنِيهِ: عَنْ يَمِينِهِ السُّعَدَاءُ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْقِيَاءُ .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: ( وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ) .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) .
فَقَدْ سَمَّى الْمَقْبُوضَ وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَوَقْتَ النَّوْمِ : رُوحًا ، وَنَفْسًا.
وَسَمَّى الْمَعْرُوجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ : رُوحًا ، وَنَفْسًا.
لَكِنْ يُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهِ لِلْبَدَنِ ، وَيُسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهِ ؛ فَإِنَّ لَفْظَ " الرُّوحِ " يَقْتَضِي اللُّطْفَ ، وَلِهَذَا تُسَمَّى الرِّيحُ : رُوحًا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الرِّيحُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ ) ، أَيْ مِنْ الرُّوحِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ ؛ فَإِضَافَةُ الرُّوحِ إلَى اللَّهِ : إضَافَةُ مِلْكٍ ، لَا إضَافَةُ وَصْفٍ ؛ إذْ كَلُّ مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ : إنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا ؛ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ . وَإِنْ كَانَ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهَا ، لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ تَقُومُ بِهِ : فَهُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ." . انتهى .
ثم قال رحمه الله ( 9/294 ) :
" لَفْظُ " النَّفْسِ " : يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا ، أَوْ عَنْ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى ، بِخِلَافِ لَفْظِ " الرُّوحِ " ؛ فَإِنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ ذَلِكَ ؛ إذْ كَانَ لَفْظُ " الرُّوحِ " لَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ. وَيُقَالُ النُّفُوسُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: وَهِيَ " النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ " الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. وَ" النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ " وَهِيَ الَّتِي تُذْنِبُ وَتَتُوبُ ، فَعَنْهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ ؛ لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ الشَّرَّ تَابَتْ وَأَنَابَتْ ، فَتُسَمَّى لَوَّامَةً ، لِأَنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الذُّنُوبِ ، وَلِأَنَّهَا تَتَلَوَّمُ ، أَيْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَ" النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " ، وَهِيَ الَّتِي تُحِبُّ الْخَيْرَ وَالْحَسَنَاتِ ، وَتُرِيدُهُ ، وَتُبْغِضُ الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَتَكْرَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ لَهَا خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً.
فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ الَّتِي لِكُلِّ إنْسَانٍ : هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ." .
ثانيا :
وأما عقيدة الخطيئة الأصلية عند النصارى : فإنهم يعتقدون أن البشرية كلها قد ورثت الخطيئة الأصلية عن آدم وحواء .
وأصل الخطيئة في معتقدهم : هو أن الله تعالى أمر آدم ألا يأكل من أحدى أشجار الجنة, فأكل منها مخالفًا الأمر الإلهي.
وخير تمثيل لهذا المبدأ هو: أن خادما أخطأ، فعاقبه سيده، ونتيجة لخطأ الخادم ، أصبح أبناء الخادم ملوثين بخطئه، ولمحبة السيد لأسرة الخادم ، ورحمته بهم، وعدله في أن يوقع العقاب، قام السيد بعقاب ابنه وليس ابن الخادم، وذلك لكي يخلّص أبناء الخادم من الذنب!.
وفي المثال السابق لا نجد عدلا ولا رحمة!، فلا ذنب لأبناء الخادم، ولا ذنب لابن السيد، ثم لا داعي للفداء أصلا ؛ ما دام ممكنا : عقاب الفاعل ، أو العفو عنه ، وينتهي الأمر !!
إن الحل الذي قدمه الإسلام لهذه القضية هو حل بسيط ، مفهوم ، معقول ، ملائم لما تقرر من قدرة الله وحكمته .
فقد قال تعالى : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طه/121‑122
وقال تعالى( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/37 .
وقد جاء في العهد القديم ، والعهد الجديد : أن مغفرة الذنوب تكون بالتوبة ، وليست بالتضحية والفداء.
أ- ففي حزقيال 18: 21-23
" فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي ، وفعل حقًا وعدلًا : فحياة يحيا، لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، بره الذي عمل : يحيا " .
ب- وفي متى 3: 1
"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ : جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. قَائِلًا: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ .. حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ ، وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ ، وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنّ … وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ " .
معترفين بخطاياهم وليسوا معترفين بالخطيئة الأصلية.
ج- وفي مرقس 1: 4
" كان يوحنا يعمد في البرية ، ويكرز بمعمودية التوبة ، لمغفرة الخطايا " .
د- وفي لوقا 15: 7
" أقول لكم: إنه هكذا : يكون فرح في السماء ، بخاطئ واحد يتوب " .
وبينت نصوص العهد القديم أن كل إنسان يتحمل ذنبه وإثمه ، ولا يتحمل وزر غيره.
أ- ففي حزقيال 18: 20 - 21
" النفس التي تخطيء : هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار : عليه يكون ، وشر الشرير : عليه يكون " .
ب-وفي التثنية 24: 16
" لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل " .
ج- وفي إرمياء 31: 30
" بل كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحِصْرِم : تضرس أسنانه " .
د-وفي أيام 25 : 4
" لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته".
وقد ذكر العهد القديم أن الله تعالى عاقب آدم وحواء نتيجة مخالفتهم أمره, فكان عقاب آدم المشقة التي يعانيها في الدنيا, وعقاب حواء آلام الوضع ، واشتياقها لزوجها ، وتسلط الزوج عليها ؛ ولم يذكر أبدًا أن هذه الخطيئة سوف يتوارثها بنو آدم وحواء ، عن أبويهما !!
ففي سفر التكوين 3 : 16-18
" وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: « تَكْثِيرًا ، أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ ؛ بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا ، وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ ، وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».
وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ ، وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا ؛ مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ ، بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ ، وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ " .
ينظر الفصل الخامس من كتاب : " البيان الصحيح لدين المسيح " ، للأستاذ ياسر جبر ، وسلسلة الهدى والنور ، للدكتور منقذ السقار ، جوابا على سؤال : هل افتدانا المسيح على الصليب – ص 219 .
وبناء على ذلك : فمفهوم ميراث الخطايا ، أو الخطيئة الأصلية تحديدا ، فيما يعتقده النصارى : مفهوم باطل ، محدث مبتدع على أيدي من حرفوا التوراة والإنجيل ، وهو مخالف لكثير من النصوص الواضحة في العهدين القديم والجديد ، كما سبق بيانه !
وقد أبطل الله تعالى في كتابه هذا المفهوم في غير موضع !
فقال تعالى : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) الأنعام/164 .
وقال تعالى : ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/13-15 .
وقال تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) فاطر/18 .
هذا فيما يتعلق بوراثة الخطايا ، وانتقال وزرها من الآباء إلى الأبناء .
ثانيا :
وأما وراثة الأنفس للطبائع والمفاهيم من الآباء : فهذا ليس حتميا ، ولا لازما ؛ بل قد يكون ، وقد لا يكون.
فالله تعالى يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ..
فيخرج من صلب الكافر ، مؤمنا ، موحدا ؛ وكم حدث هذا في عالم الناس ، في أول البعثة ، وفي توالي الأجيال ...
ويخلق من المؤمن التقي : فاجرا ، كفارا .. وهذا أيضا معلوم ، مشاهد ...
ويكون من البخيل كريما ، ومن الجواد لئيما ، ومن الجبان : شجاعا ، مقداما ، وهكذا .
وإنما كل نفس لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، من الأخلاق ، والأقوال ، والأفعال .
ولو كانت وراثة الصفات ، والأخلاق ، والأحوال ، والأفعال : حتمية ، تنتقل من الأب لبنيه ، ولا يمكن للأبناء أن يتغلبوا على ذلك العامل الوراثي ، الجيني ؛ لكان طلب الخير ، وإصلاح النفوس منهم : تكليفا لهما بما لا يطيقون ؛ وقد أخبر الله تعالى أن سنته في عباده غير ذلك . قال تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة/286 .
وفي صحيح مسلم (200) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) البقرة/ 284 ، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)البقرة/ 286 " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ " (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) البقرة/ 286 " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ، (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا) البقرة/ 286 ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ) .
ولذلك ، جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ؛ ومن يتحَرَّ الخير : يُعْطَهْ ، ومن يتوق الشر : يُوَقه ) .
أخرجه الخطيب في " تاريخه " (9 / 127) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (342).
وأما النفس في رمضان : فلها دور في حال الإنسان ، ولا شك ؛ فالنفس المطمئنة : أسعد الأنفس برمضان ، وما فيه من التعبد والعمل بطاعة الله .
والنفس اللوامة : أقل منها حظا في الانتفاع برمضان ، ولكنها تجد في رمضان بيئة ملائمة للعمل بطاعة الله ، ومقاومة الهوى .
وأما النفس الأمارة بالسوء : فلا تنتفع عادة برمضان ، بل لعلها تخرج منه أسوأ حالا من حالها وقت دخوله ، إلا إذا تابت وأنابت ورجعت إلى الله بالتوبة الصادقة النصوح عند دخول رمضان .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب