سورة البقرة
الايات (٨-٢٠)
الفوائد العلميَّة واللَّطائف:
1- قال السَّعديُّ في قوله تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ: (هذا من العجائب؛ لأنَّ المخادع، إمَّا أن ينتج خداعه ويحصُل له ما يريد، أو يسلم، لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعُهم عليهم، وكأنَّهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاكِ أنفسِهم، وإضرارها وكيدها؛ لأنَّ الله تعالى لا يتضرَّر بخداعهم شيئًا، وعباده المؤمنون لا يضرُّهم كيدُهم شيئًا، فلا يضرُّ المؤمنين أنْ أظهر المنافقون الإيمان، فسلمتْ بذلك أموالُهم، وحُقِنت دماؤهم، وصار كيدُهم في نحورهم، وحصَل لهم بذلك الخزيُ والفضيحة في الدُّنيا، والحزن المستمرُّ؛ بسبب ما يحصُل للمؤمنين من القوَّة والنصرة، ثم في الآخِرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجِع؛ بسبب كذبِهم وكفرِهم وفجورِهم، والحال أنَّهم مِن جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك) .
2- أنَّ الحِكمة كلَّ الحِكمة إنَّما هي الإيمانُ بالله تعالى، واتِّباع شريعته؛ فإنَّ كلَّ من لم يؤمن بالله وخالف شريعته فهو سفيهٌ، فيقتضي أنَّ ضدَّه يكون حَكيمًا رشيدًا؛ وذلك لقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ .
3- في قوله تعالى: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ إثباتُ صِفة الاستهزاء لله تعالى، وهي صفةٌ فعليَّة خبريَّة، ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ، على وجه المقابَلَة والجزاء؛ لذا فهي صفة كمالٍ له سبحانه .
4- تأمَّل قوله تعالى: أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ، كيف جعَل ضوءها خارجًا عنه منفصلًا، ولو اتَّصل ضوءُها به ولابَسه لم يذهب، ولكنه كان ضوءَ مجاورة لا ملابسة ومخالطة، وكان الضوء عارضًا، والظلمة أصليَّة، فرجع الضوء إلى معدِنه، وبقيت الظلمةُ في معدنها، فرجع كلٌّ منهما إلى أصله اللائق به، حُجَّة من الله قائمة، وحِكمة بالغة، تَعرَّف بها إلى أُولي الألباب من عبادِه .
5- تأمَّل كيف قال الله تعالى: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ فوحَّده، ثم قال: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ فجمَعها؛ فإنَّ الحق واحد، وهو صراط الله المستقيم، الذي لا صراطَ يُوصل إليه سواه، وهو عبادته وحْدَه لا شريك له، بما شَرَعه على لسان رسولِه، لا بالأهواء والبِدع وطرقِ الخارجين عمَّا بعث الله به رسوله من الهُدى ودِين الحقِّ، بخِلاف طرق الباطل؛ فإنَّها متعدِّدة متشعِّبة، ولهذا يُفرد سبحانه الحقَّ ويَجمع الباطلَ، كقوله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] .
6- قيل: خصَّ جلَّ ذِكرُه السمعَ والأبصار بأنَّه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامِهم؛ للذي جرى من ذِكرها في الآيتين، أي: قوله: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ [البقرة: 19]، وقوله: يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة: 20]، فجرَى ذِكرها في هاتين الآيتين على وجه المَثَل .