هل من السنة أن لا يطلب المرء من غيره شيئا أكثر من ثلاث مرات؟
السؤال : يقول بعض الناس أنه من السنة أو الأقرب للسنة أن لا يطلب المرء نفس الشيء أكثر من ثلاث مرات فهل هناك دليل على ذلك أو أي شيء آخر يمكن القياس عليه مثل عدم طرق الباب أكثر من 3 مرات في حال عدم الرد علينا؟ أرجو إيضاح المسألة بارك الله بكم
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره لأصحابه سؤال الناس والتعرّض لهم والطلب منهم ، وبايع بعض أصحابه على أن لا يسأل أحدٌ منهم أحدا شيئا .
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة ، فقال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، وكنا حديثي عهد ببيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال: ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : ( على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا ) .
وأسر كلمة خفية : ( ولا تسألوا الناس شيئاً ) !!
فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه " رواه مسلم (1043).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم في كتاب النهي عن المسألة (7/ 132):
"وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا، وإن كان حقيرا" انتهى .
وفي حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسم أنه قال : ( مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل - لِي بِوَاحِدَةٍ ، وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟
" قَالَ : قُلْتُ : أَنَا.
قَالَ : ( لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا ) !!
فَكَانَ ثَوْبَانُ : يَقَعُ سَوْطُهُ ، وَهُوَ رَاكِبٌ ؛ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ .
رواه أبو داود (1450) وغيره ، وصححه الألباني .
ثانيا :
سؤال الناس مذموم ، وهو مع الإلحاح : أشد ذمًا؛ لما فيه من إهانة الشخص نفسَه ، ولما فيه من أذية الشخص المسئول ، وإيقاعه في الحرج ، وكأن السائل يرغمه على أن يعطيه مسألته .
والطلبات والمسائل ليست على درجة واحدة ، فمنها ما يُعاب سؤاله ، والإلحاح فيه ، ويعد قادحا في المروءة ، ومنها ما دون ذلك ، ومنها ما يفضي إلى الإحراج ، واستخراج الشيء بغير رغبة المعطي ، حتى يعطيه إياه حياء ؛ فيأخذه الطالب سحتا .
وترك سؤال الناس مطلقا ، أمر لا يطيقه عامة الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به .
وينظر جواب السؤال (182011) .
وكلما أمكن التعفف عن سؤال الناس فهو أفضل ، فإن احتاج إلى السؤال فليسأل سؤالا رفيقا ، من غير أذية للمسئول ، ولا إحراج له .
ولم يرد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدد السؤال بالثلاث ، وقد كان بعضهم يسأله ، ويلح عليه في المسألة ، فيعطيه ، ويخبره أن الاستعفاف خيرٌ له .
وكان يحرّج على الذين يسألون من غير حاجة ، ويقول ( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ) رواه مسلم (1041) .
فهذا هو المهم وهذا هو الضابط .
أما الاستئذان ثلاثا فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ) رواه البخاري (6245) و مسلم (5751) .
ولا يظهر لنا جامع محرر ، يصحح قياس المنع على ثلاث في مسألة الناس أموالهم ، والاستئذان عليهم ؛ ويكفي أن يقال في الفرق : إن المسألة من أصلها منهي عنها ؛ إما للتنزيه ، أو للتحريم لمن كان في غنى . ولا تشبه الاستئذان والدخول على الناس في شيء من ذلك .
ولم نقف على أصل ، أو أثر ، في تحديد السؤال بثلاث ، أو أكثر ، أو أقل ، وقد ذكرنا ضابط المسألة فيما سبق .
والله أعلم .