السؤال
في الجملة "لا حول ولا قوة إلا بالله" ما الفرق بين استخدام كلمة "قوة" في الجملة أعلاه ، وفي المواضيع التي نستخدمها في مدارسنا وجامعاتنا مثل: 1- القوة = الإمكانية أو القدرة على القيام بالعمل. 2- القوة السياسية تجسد وتتحكم بمواقف الناس تجاه الرئيس والحكومة. 3- الطاقة الكهربائية هي معدل تحويل الطاقة الكهربائية إلى شكل آخر ، مثل الحركة أو الحرارة أو المجال الكهرومغناطيسي. هل هناك أي فرق حقيقي بينهم ؟ وهل يوجد أي شيء خاطئ باستخدام هذه الكلمة بالمعاني التي نوهت عنها أو أي خطيئة ؟ يرجى التوضيح باختصار عن الأشياء التي ذكرتها أعلاه.
نص الجواب
الحمد لله
قال الله تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) الكهف/39 .
وروى البخاري (4205) ، ومسلم (2704) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ).
وهذه الجملة العظيمة فيها التسليم لله تعالى والاعتماد عليه ، وأن (الحول) - أي الحركة ، أو (التحول) من حال إلى حال - والقوة على الطاعة، لا تكون إلا بالله.
فلا تحول عن معصية الله ، إلاّ بتوفيقه وعصمته، ولا قوة على طاعته إلاّ بمعونته.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"(4/ 87):
"قال الهروي: قال أبو الهيثم: الحول الحركة ، أي لا حركة ، ولا استطاعة إلا بمشيئة الله. وكذا قال ثعلب وآخرون.
وقيل: لا حول في دفع شر ، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله.
وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته ، وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه" انتهى.
وقال رحمه الله أيضا: " قال أهل اللغة: الحول : الحركة والحيلة، أي لا حركة ، ولا استطاعة ، ولا حيلة ، إلا بمشيئة الله تعالى.
وقيل: معناه : لا حول في دفع شر ، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله.
وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ، ولاقوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكله متقارب" انتهى من "شرح مسلم" (17/ 26).
وقال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم، وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله .
نقول: لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله .
ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله ، والثبات عليها : إلا بتوفيق الله" انتهى.
والقوة: معناها القدرة والاستطاعة. أي لا يقدر أحد على شيء إلا بمعونة الله.
ويقال: القوة والقدرة والوُسع والطاقة، بمعنى واحد.
وقد يطلق لفظ "القوة" ، على ما في "الجمادات" ، ونحوها ، على جهة التوسع في العبارة .
وأما المعنى الأول: وهو أن القوة = الإمكانية أو القدرة على القيام بالعمل، فهذا هو المعنى الظاهر ، أو المطابق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في كلام جامع حول هذه الكلمة العظيمة ، ومعناها :
" والحركة العامة ، هي التحول من حال إلى حال؛ ومنه قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى رضي الله عنه ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى قال: لا حول ولا قوة إلا بالله .
وفي " صحيح مسلم " وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر؛ فقال الرجل: الله أكبر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله؛ فقال: أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال: حي على الصلاة؛ فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر فقال: الله أكبر الله أكبر .
فلفظ (الحول) : يتناول كل تحول من حال إلى حال .
و(القوة) : هي القدرة على ذلك التحول .
فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي ، حركة وتحول ، من حال إلى حال ، ولا قدرة على ذلك ؛ إلا بالله.
ومن الناس من يفسر ذلك بمعنى خاص ، فيقول: لا حول عن معصيته إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
والصواب ، الذي عليه الجمهور : هو التفسير الأول ، وهو الذي يدل عليه اللفظ ؛ فإن الحول لا يختص بالحول عن المعصية ، وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة ؛ بل لفظ الحول يعم كل تحول.
ومنه لفظ " الحيلة " ، ووزنها فعلة بالكسر ، وهي النوع المختص من الحول ...
وكذلك لفظ " القوة " ، قال تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة .
ولفظ القوة : قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره؛ فهو قدرة أرجح من غيرها أو القدرة التامة.
ولفظ " القوة " قد يعم القوة التي في الجمادات ، بخلاف لفظ القدرة؛ فلهذا كان المنفي بلفظ القوة أشمل وأكمل.
فإذا لم تكن قوة إلا به ، لم تكن قدرة إلا به بطريق الأولى. وهذا باب واسع." انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/574-575) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا تَأْثِيرُ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ [ يعني : داء الهم والغم ] : فَلِمَا فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ، وَالتَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، إِلَّا بِهِ ، وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ كُلِّهِ لَهُ، وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .
وَعُمُومُ ذَلِكَ لِكُلِّ تَحَوُّلٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَالسُّفْلِيِّ، وَالْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ التَّحَوُّلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِاللَّهِ، وَحْدَهُ فَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْءٌ.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إِنَّهُ مَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا إِلَّا بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .
وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ." انتهى من "زاد المعاد" (4/193) .
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (7747) .
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب