وقفات مع الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم
سورة هود
( يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ) هود 42-43 ،
إن سلوك طريق المؤمنين ومجالسهم ،
والانحياز إليهم هو سبيل النجاة الحقة ؛
لأنهم في كنف الله وعنايته ،
حتى وإن تقاذفتهم الفتن ،
وكانت أسبابهم يسيرة ، كسفينة من خشب في أمواج كالجبال ،
كما أن سلوك طريق الكافرين والمنافقين والانحياز إليهم هو سبيل الهلاك ،
حتى وإن توفرت لهم الأسباب المادية المنيعة كالجبال في علوها وصلابتها .
فهد العيبان .
...........................................................................................................
من تأمل قوله تعالى – في خطاب لوط لقومه - :
( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ) ؟ هود : 78
أدرك أن إدمان الفواحش – كما أنه يضعف الدين
– فهو – في أحيان كثيرة – يذهب مروءة الإنسان ،
ويقضي على ما بقى فيه من أخلاق ورشد .
د. عمر المقبل .
...........................................................................................................
( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ) هود : 81 ،
والحكمة من نهيهم عن الالتفات ليجدوا في السير ،
فإن الملتفت للوراء لا يخلو من أدنى وقفة ،
أو لأجل ألا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فترق قلوبهم لهم .
الألوسي [ تفسيره 8/322]
وفي ذلك إشارة للمؤمن ألا يلتفت في عمله للوراء إلا على سبيل تقويم الأخطاء ؛ لأن كثرة الالتفات تضيع الوقت وربما أورثت وهناً .
...........................................................................................................
تأمل في خطاب شعيب لقومه :
( أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) هود:88 .
فلهذه الأجوبة الثلاثة – على هذا النسق – شأن :
وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة :
أهمها وأعلاها حق الله تعالى ،
وثانيها : حق النفس ،
وثالثها : حق الناس .
البيضاوي / تفسيره 1/253 .
...........................................................................................................
( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) هود:88 ،
أي : ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم ، وتستقيم منافعكم ،
وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي ،
ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس دفع
بقوله : (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود:88 .
ابن سعدي / تفسيره ص 387 .
...........................................................................................................
لما ذكر سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي ،
قال بعد ذلك ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) هود : 103 ،
فأخبر أن عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة ،
وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه ،
فإنه إذا سمع ذلك قال : "لم يزل في الدهر الخير والشر ، والنعيم والبؤس ، والسعادة والشقاوة " !
وربما أحال ذلك على أسباب فلكية ، وقوى نفسانية " .
ابن القيم / الفوائد 131 .
...........................................................................................................
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) هود : 117 ،
تأمل في الجملة الأخيرة ( وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) ولم يقل :صالحون ؛
لأن الصلاح الشخصي المنزوي بعيداً ،
لا يأسى لضعف الإيمان ،
ولا يبالي بهزيمة الخير ،
فكن صالحاً مصلحاً ، ورشداً مرشداً .
تابع وقفات مع الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم
سورة يوسف
يقول ابن الجوزي :
قرأت سورة يوسف عليه السلام ،
فتعجبت من مدحه على صبره ، وشرح قصته للناس ، ورفع قدره ،
فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه ،
فقلت : وا عجبا لو وافق هواه من كان يكون ؟
ولما خالفه لقد صار أمراً عظيماً تضرب الأمثال بصبره ،
ويفتخر على الخلق باجتهاده ،
وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزاً وفخراً ،
أن تمتلك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب .
صيد الخاطر ( ص291 ) .
...........................................................................................................
( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) يوسف :7 .
آيات لكل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال ؛
فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر ،
وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات ، ولا بالقصص والبينات .
ابن سعدي / تفسيره ص 3394 .
...........................................................................................................
( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) يوسف :12 ،
لم ينكر والدهم ذلك بل أرسله معهم ،
ومما يدل على مشروعية اللعب البريء ،
وحاجة الأبناء إليه ،
وهو يرسم منهج الوسطية بين الذين اتخذوا حياتهم لهواً ولعباً ،
واشتروا لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله
، وبين الذين تشددوا وغلوا
، وحرموا زينة الله التي أخرج لعباده ،
فلا يجوز تحريم اللعب بإطلاق أو تحليله دون ضابط .
أ.د. ناصر .
...........................................................................................................
( قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) يوسف :17 ،
والمتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل ،
فإنهم جاؤوا أباهم عشاء يبكون ،
فهذا تمثيل ولكنه لم يدم لهم .
محمد المنجد / 100 فائدة من سورة يوسف .
...........................................................................................................
أحد الشباب كان يعاني من تعلقه ببعض الفواحش
، وكان يجد شدة في تركها ،
حتى أذن الله بذهاب حبها من قلبه بسبب تدبره لقوله تعالى
– عن يوسف عليه السلام - :
( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف : 24 ،
فرجع لنفسه وقال :
لو كنت مخلصاً لأنجاني ربي كما أنجى يوسف ،
ولم يمض وقت طويل حتى صار هذا الشاب أحد الدعاة إلى الله .
...........................................................................................................
تأمل قوله تعالى عن النسوة : ( امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ) يوسف : 30 ،
ولم يقلن : فتى العزيز راود سيدته ،
وفي هذا طمأنة لأصحاب المبادئ
، الذين يتعرضون لتشويه السمعة ،
وإلصاق التهم عن طريق الإشاعات والافتراء ،
إذ سرعان ما تتضح مواقفهم ،
وتظهر براءتهم ساطعة كالشمس :
( الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ ) يوسف : 51 .
أ.د. ناصر العمر .
...........................................................................................................
انظر إلى قوله تعالى في سورة يوسف عن النسوة :
( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) يوسف : 31 ،
وقول الملك ليوسف : ( فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ) يوسف :54 ،
فيه أن النساء يروقهن حسن المظهر ،
وأما الرجال فيروقهم جمال المنطق والمخبر ،
وتلك من طبيعة التي خلقها الله تعالى في النفوس .
د. محمد الحمد .
...........................................................................................................
عندما قال يوسف للسجينين
: ( إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) يوسف :37 ،
ولم يشتم دينهما أمامهما ،
فالمقام ليس مقام رد ولا استفزاز ولا حساب
، بل مقام بلاغ ،
والحق إذا تبين فليس بالضرورة أن يجهر بشتم الباطل الذي يدين به الشخص المقابل .
أ.د. ناصر العمر .
...........................................................................................................
قول يوسف عليه السلام : ( ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ) يوسف :38 ،
علق قتادة على ذلك فقال
:إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله ،
ويشكر ما في الناس من نعم الله .
الدر المنثور 8/255 .
تجميع " محبة القرأن "