نبي الله موسى عليه السلام
حال بني إسرائيل قبل سيدنا موسى :
1- أثناء حياة سيدنا يوسف عليه السلام بمصر، تحولت مصر إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ، ولكن بعد وفاته ، عاد أهل مصر إلى ضلالهم وشركهم ، أما أبناء ونسل يعقوب (إسرائيل)، فقد اختلطوا بالمجتمع المصري ، فضلّ منهم من ضل ، وبقي على التوحيد من بقي ، وتكاثر أبناء إسرائيل وتزايد عددهم ، وحكم الفراعنة مصر وراحوا يقهرون الناس وكان لبني إسرائيل النصيب الأكبر من ذلك العذاب والظلم .
2- كان على رجال بني إسرائيل أن يرضوا بحياة العبودية والذلّ ، وعليهم ان يعبدوا الفرعون لأنه إله الناس ، و كان بنو إسرائيل يتوارثون بشارة منذ زمن يوسف ويعقوب عليهم السلام ، كانوا ينتظرون ميلاد الرجل الذي سينقذهم من العذاب .
3- سمع الفرعون بتلك البشارة ، وأكد الكهنة له أنه سيولد في بني إسرائيل صبي وسيكون هلاك الفرعون على يديه ، ارتاع الفرعون من هذه النبوءة وراح يفكّر بإبادة بني إسرائيل ، فقرر الفرعون ذبح كل من يولد من الذكور في بني إسرائيل.
4- بدأ تطبيق النظام ، ثم قال مستشارون فرعون له ، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يُذبحون ، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل ، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها ، والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه ، وافق الفرعون على هذا الإقتراح.
ولادة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام :
5- حملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يُقتل فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة ، فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان وُلد موسى ، فخافت أمه عليه من القتل ، فأوحى الله إليها بصنع صندوق صغير لموسى ، ثم إرضاعه ووضعه في هذا الصندوق وإلقاءه في النهر.
6- حملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون ، وهناك أسلمه الموج للشاطئ ،
وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من النهر، وجدن الصندوق ، فحملنه إلى زوجة فرعون ، فرأت موسى بداخله فأحست بحبه في قلبها ، فلقد ألقى الله في قلبها محبته فحملته من الصندوق ، وذهبت به إلى فرعون وهي تحمله ، فسأل من أين جاء هذا الرضيع؟ فحدثوه بأمر الصندوق ، فقال بقلب لا يعرف الرحمة : لابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل ، أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟ وكان على وشك ذبحه بيديه ، فذكّرته إمرأته بعدم قدرتهم على الإنجاب وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته ، فسمح لها بذلك.
رفض موسى للمراضع ورده إلى أمه :
7- أخذ موسى في البكاء من الجوع ، فأمرت زوجة فرعون بإحضار المراضع ، فرفض موسى جميع المراضع ، فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.
8- لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفض موسى لجميع المراضع ، فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية ، لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله ، كل ما في الأمر أنها قالت لأخته : اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى.
9- ذهبت أخت موسى إلى جوار قصر فرعون ، فإذا بها تسمع القصة الكاملة ، وعلمت أنه يرفض كل المراضع ، فقالت لحرس فرعون : هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه لكم ؟ ففرحت زوجة فرعون لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة ، وعادت أخت موسى وأحضرت أمه ، وأرضعته أمه فرضع ، وتهللت زوجة فرعون وقالت: "خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها ، وسنعطيك أجراً عظيماً على تربيتك له " وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء.
نشأة موسى في بيت فرعون:
10- أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون ، وبدأت تربيته في بيت فرعون ، وهكذا شاءت حكمة الله أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين ، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذاً لمشيئة الخالق .
11- كبر موسى في بيت فرعون ، وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد إلى ثمانية عشرة سنة عرف موسى أشياء وحقائق كثيرة ، واكتشف انه ليس ابناً للفرعون ، بل انه ليس قبطياً ، إنه إبن عمران من بني إسرائيل ، وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون وأتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده.. (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ) فوجد رجلاً قبطياً يقتتل مع رجل من بني إسرائيل ، واستغاث به رجل بني إسرائيل ، فتدخل موسى ودفع بيده الرجل الآخر ، فقتله دون أن يقصد - حيث كان موسى شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع ، ودعا موسى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
12- أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) ، وفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس وهو يستصرخه اليوم ، كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد الأقباط ، وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب ، وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) ، قال موسى كلمته ومع ذلك فقد هبّ لنجدة الإسرائيلي ، واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو ، دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخاً (إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)، وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس ، فتوقف موسى ، وسكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس ، وكيف استغفر وتاب .
13- أدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته بالأمس ، ولم يكن أحد من المصريين يعلم من القاتل ، فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة ، وانكشف سر موسى وظهر أمره ، وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا ، ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.
14- خرج موسى من مصر على الفور، خائفا يتلفت ويترقب ، خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج ، اختار طريقا غير مطروق وسلكه ، دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه ، لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا.
15- ظل موسى يسير حتى وصل إلى مدين وألقى بنفسه تحت شجرة ليستريح ، وقد نال منه الجوع والتعب ، لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم ، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم ، أحس موسى أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة ، تقدم منهما وسأل لماذا لا تسقيان؟
قالتا : لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما الغنم وعاد يجلس تحت ظل الشجرة ثم دعا ربه قائلاً : (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) .
16- عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ وقصا عليه ما حدث (قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو نبي الله شعيب وقيل إنه ابن أخي شعيب ، وقيل ابن عمه ، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به ، لا نعرف أكثر من كونه شيخاً صالحاً ) ، فقال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى ، وأبلغته رسالة أبيها فوافق وقال لها سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق .
17- وصل موسى إلى الشيخ وحدثه عن قصته ، قال له الشيخ : (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا ، اطمأن موسى ونهض لينصرف ، قالت ابنة الشيخ لأبيها همساً : (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) سألها الأب : كيف عرفت أنه أمين ؟ قالت : رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي ، وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياءً وأدباً .
[18- عاد الشيخ لموسى وقال له : أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات ، فإن أتممت عشر سنوات ، فمن كرمك ، لا أريد أن أتعبك ، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، قال موسى : هذا اتفاق بيني وبينك ، والله شاهد على اتفاقنا ، سواء قضيت السنوات الثمانية ، أو العشر سنوات فأنا حرٌ بعدها في الذهاب
عودة موسى عليه السلام لمصر:
19- عندما أصبح عمر موسى أربعين سنة كان قد وفى بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي إنه ظلَّ يرعى الغنم عشر سنين كاملة ، وفكر موسى أن يعود إلى مصر ، كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها ، واستأذن شعيب في العودة إلى مصر .
20- خرج موسى مع أهله وسارفي الصحراء في إتجاه مصر ، وفي منتصف الطريق في جزيرة سيناء على مقربة من جبل الطور ، اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام ، وتاه موسى أثناء سيره ، وفجأة سطع نور من جهة جبل الطور ، رأى موسى ناراً تتوهج من بعيد ، فأمر أهله أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحداً يسأله عن الطريق فيهتدي إليه ، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم .
21- سار موسى مسرعاً حتى وصل إلى واد يسمونه طوى ، لاحظ شيئاً غريباً في هذا الوادي ، لم يكن هناك برد ولا رياح ، واقترب موسى من النار ، فوجد شجرة تتوهج ناراً ، لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق ! لم يكد يقترب منها حتى نودي (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ثم سمع صوتاً يناديه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) .
22- عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه ، قال الرحمن الرحيم: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) أجاب موسى : (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) .
23- قال الله عز وجل : (أَلْقِهَا يَا مُوسَى ) رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته ، وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم ، ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه ، واستدار موسى فزعا وبدأ يجري ، لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله : (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) عاد موسى ولم تزل العصا تتحرك ، قال الله سبحانه وتعالى لموسى : (خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) .
24- عاد الأمر الإلهي يصدر له : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر، ووضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما.
إرسال موسى وهارون إلى فرعون وأتباعه :
25- أصدر الله إلى موسى أمراً بعد هاتين المعجزتين - معجزة العصا ومعجزة اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر ، وأبدى موسى خوفه من فرعون ، قال إنه قتل منهم نفساً ويخاف أن يقتلوه ، توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون ، وقد استجاب الله لطلبه ، وقال له (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) .
26- أخبر الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى ، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء ، أفهم الله موسى أنه هو الغالب ، فدعا موسى الله أن يشرح له صدره وييسر له أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه ، ثم عاد موسى لأهله بعد إصطفاء الله له واختياره رسولاً إلى فرعون.
إلى اللقاء إن شاء الله مع
مواجهة موسى عليه السلام لفرعون