وقفات مع الجزء التاسع من القرآن الكريم
كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته :
عجبت من الجنة كيف نام طالبها ؟
وعجبت من النار كيف نام هاربها ؟
ثم يقول : ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ ) الأعراف :97 .
التخويف من النار ص (21) .
...........................................................................................
(فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) الأعراف : 99 ،
في هذه الآية تخويف بليغ ،
فإن العبد لا ينبغي أن يكون آمناً على ما معه من الإيمان ،
بل لا يزال خائفاً أن يُبتلى ببلية تسلب إيمانه ، ولا يزال داعياً بالثبات ،
وأن يسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن ؛
فإن العبد – ولو بلغت به الحال ما بلغت – فليس على يقين من السلامة .
ابن سعدي / تفسيره ص 298
...........................................................................................
قال ابن الجوزي :
(أعظم المعاقبة ألا يحس المعاقب بالعقوبة وأشد من ذلك أن يقع في السرور بما هو عقوبة ؛ كالفرح بالمال الحرام ، والتمكن من الذنوب ، ومن هذه حالة لا يفوز بطاعة)
وشاهد ما قاله ابن الجوزي في قوله تعالى :
( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا. أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ. عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) الأعراف :100 .
د. سليمان الماجد .
...........................................................................................
إن موسى عليه السلام سأل أجل الأشياء فقال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) الأعراف :143 ،
وسأل أقل الأشياء فقال : ( رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير ) القصص:24؛
فنحن أيضا نسأل الله أجل الأشياء وهي خيرات الآخرة ،
وأقلها وهي خيرات الدنيا فنقول :
( رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة:201 .
الرازي / أسرار التنزيل ص 132
...........................................................................................
لما رجع موسى عليه السلام ، ووجد قومه قد عبدوا العجل ،
غضب وأخذ برأس أخيه هارون ولحيته ، وعاتبه عتاباً شديداً ،
فكان مما قاله هارون لموسى : ( فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء ) الأعراف :150 ،
وهو درس عظيم لأتباع الأنبياء في علاج مشاكلهم مهما كانت كبيرة ،
بعيداً عن أي أسلوب يجلب شماتة الأعداء والحاسدين .
د. عمر المقبل .
...........................................................................................
تأمل قوله تعالى – بعد أن ذكر جملة من قبائح اليهود - :
( وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الأعراف : 153 ،
فإنه سبحانه " عظم خبائثهم أولاً ،
ثم أردفها بعظيم رحمته ؛
ليعلم أن الذنوب وإن جلت ، فالرحمة أعظم "
تفسير الكواشي .
ضرب الله مثلين منفرين ، فقال تعالى :
( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) الأعراف : 176 ،
وقال تعالى : ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) الجمعة : 5 ،
فالمثل الأول ضربه للعالم الضال المنسلخ عن العلم النافع ، دائم اللهاث وراء شهواته ،
وأما المثل الثاني فضربه الله للذين يحملون التوراة في عقولهم ،
لكنهم لم يستفيدوا منها ولم ينتفعوا بها في حياتهم ،
فماذا يفرقون عن الحمار حامل الأسفار ؟
صلاح الخالدي / انظر لطائف قرآنية ص 165-167 .
تأمل هذه القاعدة جيداً :
كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته ، وإن كان صورته موجودة ،
ومثال ذلك :
قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا) الأعراف :179 ،
فلما لم ينتفعوا بقلوبهم بفقه معاني كلام الله ، وأعينهم بتأمل ملكوت الله ، لم تتحقق الثمرة منها .
...........................................................................................
( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) الأعراف : 182 ،
قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم ، ونمنعهم الشكر .
الشكر لابن أبي الدنيا ( ص:41 ) .
...........................................................................................
قدم عيينة بن حصن على عمر فقال :إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ،
فغضب عمر غضباً حتى كاد أن يهم به ،
ولكن ابن أخي عيينة قال : يا أمير المؤمنين ،
إن الله تعالى قال لنبيه : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف : 199 ،
وإن هذا من الجاهلين . فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ؛ لأنه كان وقافاً عند كتاب الله ،
فانظر إلى أدب الصحابة – رضي الله عنهم – عند كتاب الله ، لا يتجاوزونه ،
إذا قيل لهم هذا قول الله وقفوا ، مهما كان .
ابن عثيمين / تفسيره [1/276،277]
...........................................................................................
في رمضان وقعت غزوة بدر الكبرى ، التي سماها الله ( يوم الفرقان ) ،
وجاءت سورة الأنفال تتحدث عن تفاصيل هذه الغزوة ،
وما فيها من الدروس والعبر ،
فحري بالمؤمن أن يتدبرها ، ويتأملها ، ويعتبر بما فيها من آيات عظيمة ،
ومما ينصح به : قراءة تفسير العلامة السعدي لهذه السورة ، ومع تعليق ابن القيم عليها في زاد المعاد .
...........................................................................................
لما حضرت الإمام نافعا المدني – وهو أحد القراء السبعة – الوفاة ،
قال له أبناؤه :أوصنا !
قال : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) الأنفال :1 ،
فما أجمل أن تتضمن وصايانا لأهلنا وأولادنا وصايا قرآنية ،
فهي أعلى وأغلى أنواع الوصايا ، وأعظمها أثرا .
انظر : معرفة القراء الكبار 1/11
...........................................................................................
قال ابن رجب :إذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ، ووجد طعمه وحلاوته ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه ، فاستحلى اللسان ذكر الله وما والاه ، وأسرعت الجوارح إلى طاعة الله ،
ويشهد لذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال : 2 .
لطائف المعارف ، ص 252 .
...........................................................................................
شأن أهل الإيمان مع القرآن : ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) الأنفال : 2 ؛
لأنهم يلقون السمع ، ويحضرون قلوبهم لتدبره ،
فعند ذلك يزيد إيمانهم ؛ لأن التدبر من أعمال القلوب ؛
ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه ،
أو يتذكرون ما كانوا نسوه ، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير ، أو وجلا من العقوبات ، وازدجارا عن المعاصي .
السعدي / تفسيره ص 315 .
...........................................................................................
في غزوة بدر تعانق السلاح المادي مع التكوين الإيماني :
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هيأ الجيش ، ونظم الجند ، واختار المواقع ، ورفع المعنويات ،
ثم توجه إلى ربه في ضراعة وإلحاح ، يستنزل النصر ، ويناشد المدد ، فتحقق المراد
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ ) الأنفال : 9- 10 .
د. صالح بن حميد .
...........................................................................................
صيغة الاسم تفيد الثبات والدوام وصيغة الفعل تفيد التجدد والاستمرار ،
ومن لطائف هذا التعبير
قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال : 33 ،
فجاء الفعل ( لِيُعَذِّبَهُمْ ) ؛ لأن بقاء الرسول بينهم مانع مؤقت من العذاب
وجاء بعده بالاسم ( مُعَذِّبَهُمْ )؛ لأن الاستغفار مانع ثابت من العذاب في كل زمان .
د. فاضل السامرائي / التعبير القرآني ، ص : ( 26 ) .
...........................................................................................
( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال :38 ،
هذه لطيفة ؛
وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم ، والمعاصي والمآثم ،
فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبداً توبة ، ولا نالتهم مغفرة ؛
فيسر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة ، وبذل المغفرة بالإسلام ، وهدم جميع ما تقدم
؛ ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين ،
وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام .
ابن العربي / أحكام القرآن 4/116 .
تجميع "محبة القرأن "