وقفات مع الجزء العاشر من القرآن الكريم
في قوله تعالى :
( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )
الأنفال :53 ،
دليل على أن الله – جل وعلا – قد يسلب النعم بفعل المعصية عقوبة لفاعليها ،
فهو سبحانه لا يغير ما بهم حتى يحدثوا أحداثا يعاقبهم الله عليها ،
فيغير ما بهم ، ويكون الإحداث سببا للتغيير .
القصاب / نكت القرآن 1/473 .
...................................................................................................................
( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ .... الآية ) الأنفال :60 ،
أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء ؛
فإن الله تعالى لو شاء لهزمهم بالكلام ، وحفنة من تراب ،
كما فعل صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أراد أن يبلي بعض الناس ببعض ،
فأمر بإعداد القوى والآلة في فنون الحرب التي تكون لنا عدة ،
وعليهم قوة ،
ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا .
ابن العربي / أحكام القرآن 4/155.
...................................................................................................................
ثبت في الشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد ،
حسبما بسطه العلماء وأهل الأصول ،
ومنه قوله تعالى : ( لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) الأنفال :68 [ الشاطبي ] .
فعلى الأب المربي أن يراعي ذلك في معاملته لمن دونه ،
فلا يعاقبهم أو يستهزئ بهم على اجتهادهم السائغ .
الموافقات 1/163 .
...................................................................................................................
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة : 24 ،
هذه الآية أشد آية نَعَتْ على الناس ، ما لا يكاد يتخلص منه إلا من تداركه الله سبحانه بلطفه .
الألوسي / تفسيره 7/192 .
قال تعالى في الأشهر الحرم – وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب - : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) التوبة : 36
قال ابن عباس : اختص من ذلك أربعة أشهر ،
فجعلهن حرما وعظم حرمتهن ،
وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .
الدر المنثور 4/187 .
...................................................................................................................
قال قتادة – في قوله تعالى عن الأشهر الحرم - :
(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) التوبة :36 ،
قال :إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواه ،
وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره ما شاء .
الدر المنثور 4/187 .
...................................................................................................................
( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) التوبة : 40
قال الشعبي : عاتب الله – عز وجل – أهل الأرض جميعاً – في هذه الآية – إلا أبا بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه - .
تفسير البغوي 4/49 .
...................................................................................................................
( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) التوبة : 40
، انظر كيف جعل الله خروج نبيه من مكة ، بل إخراجه ، نصراً مبيناً ،
وأنزل عليه السكينة وجنوداً تؤيده ،
وجعل كلمة الكافرين السفلى ،
فما يظنه بعض الناس هزيمة – بسبب ما حصل لأنبياء الله وأوليائه من القتل والسجن – إنما هو في ميزان الله نصر ، بل النصر المبين .
فهد العيبان .
...................................................................................................................
( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) التوبة :43 ،
هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذه ؟
بدأ بالعفو قبل المعاتبة .
مورق العجلي / الدر المنثور 5/85 .
...................................................................................................................
إذا حبست عن طاعة ،
فكن على وجل من أن نكون ممن خذلهم الله
، وثبطهم عن الطاعة كما ثبط المنافقين عن الخروج للجهاد ،
قال تعالى : ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) التوبة : 46 .
د. مساعد بن سليمان الطيار
( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) التوبة : 51 :
إنما لم يقل : ما كتب علينا ؛
لأنه يتعلق بالمؤمن ، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له ؛
إن كان خيراً فهو له في العاجل ،
وإن كان شراً فهو ثواب له في الآجل .
الوزير ابن هبيرة / ذيل طبقات الحنابلة 1/237
...................................................................................................................
قال تعالى عن المنافقين : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ) التوبة:54 ،
قال ابن عباس : " إن كان في جماعة صلى وإن انفرد لم يصل ،
وهو الذي لا يرجو على الصلاة ثواباً ، ولا يخشى في تركها عقاباً " .
لو لم يكن للنفاق آفة إلا أنه يورث الكسل عن العبادة ، لكفى به ذما ،
فكيف ببقية آثاره السيئة ؟!
انظر : تفسير القرطبي 8/163 .
...................................................................................................................
كثير من الناس يلجأ إلى النذر عند تأزم أمر ما عنده ،
وقد ثبت في الحديث أنه لا يأتي بخير ،
ومصداق ذلك في القرآن :
( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ ءَاتَانَــا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الْصَّالِحِينَ * فَلَمَّآ ءَاتَاهُم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَاَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَـى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) التوبة :75-77 .
د. محمد الخضيري .
...................................................................................................................
( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) التوبة :79 ،
هكذا المنافق :شر على المسلمين ، فإن رأى أهل الخير لمزهم ، وإن رأى المقصرين لمزهم ،
وهو أخبث عباد الله ، فهو في الدرك الأسفل من النار ، والمنافقون في زمننا هذا إذا رأوا أهل الخير وأهل الدعوة ، وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا ، هؤلاء متزمتون ،
وهؤلاء متشددون ، وهؤلاء أصوليون ، وهؤلاء رجعيون ، وما أشبه ذلكم في الكلام .
ابن عثيمين .
...................................................................................................................
( وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة :81 ،
الكثير من الناس ينفر في الحر ،
لكن فرق كبير بين نافر في حر الصيف ليبحث عن نزوة ، ويقضي شهوة محرمة هنا أو هناك ،
لو دعي إلى خدمة دينه أو نفه أمته لاعتذر بشدة الحر !
وبين نافر في الحر ليبلغ الخير وينفع الأمة !
وسيعلم الفريقان عاقبة نفيرهم يوم قيام الأشهاد .
...................................................................................................................
استنبط بعض العلماء من قوله تعالى – عن المنافقين - :
( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) التوبة : 84 ،
أن هذه الآية تدل على شرعية صلاة الجنازة ؛
فلما نهى عن الصلاة على المنافقين دل على مشروعيتها في حق المؤمنين .
انظر : تفسير القرطبي 8/221 .
...................................................................................................................
انظر إلى قوله تعالى : (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) التوبة :92 ،
أترى أن الله يهدر هذا اليقين الراسخ ؟
وهذه الرغبة العميقة في التضحية ؟
إن النية الصادقة سجلت لهم ثواب المجاهدين ؛ لأنهم قعدوا راغمين .
محمد الغزالي / خلق المسلم ص (90) .
"تجميع محبة القرأن "